الحريات العامة وحقوق الإنسان

الحريات العامة وحقوق الإنسان

القائمة البريدية
تاريخ النشر: 06 أغسطس, 2023

يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني: وقفة لدراسة فاعلية التدويل وأفق القضية

تاريخ النشر: 30 نوفمبر, 2021
العلم الفلسطيني يرفرف بجانب علم الأمم المتحدة في نيويورك (رويترز)

العلم الفلسطيني يرفرف بجانب علم الأمم المتحدة في نيويورك (رويترز)

إحسان عادل 1

 روان الحسيني 2

في التاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الأول 1947، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين (القرار 181)، والذي بموجبه يتم إنشاء دولتين في فلسطين، يهودية وعربية. أنشئت الدولة اليهودية في العالم التالي لذلك، ثم اعترف بها كعضو في الأمم المتحدة عام 1949، لكن الدولة الفلسطينية، التي تم النص على إنشائها في ذات القرار، لم تر النور.

وبعيدا عن نقاش أحقية الجمعية العامة باتخاذ قرار كهذا بتقسيم فلسطين، من الناحية القانونية، وعن الآراء القانونية التي لها احترامها –وعلى رأسها رأي العالم القانوني الشهير جون غويغلي- والتي ترى بأن فلسطين أصلا دولة منذ زمن عصبة الأمم، فإن المهم هنا هو أن الأمم المتحدة، التي أنشأت مشكلة فلسطين، لا تزال تعتبر نفسها –ولو في السياق الأدبي- مسؤولة عن حل هذه القضية، وهو ما دفعها، منذ العام 1977، إلى تبني إحياء الـ29 من نوفمبر من كل عام كيوم دولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

أربعة وسبعون عاماً مرت منذ قرار التقسيم، وأربعة وأربعون منذ تبني هذا اليوم يوما للتضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، فماذا جنى الشعب الفلسطيني من المجتمع الدولي والأمم المتحدة؟ وهل إن القانون الدولي، الذي تمثل الأمم المتحدة أبرز الأدوات لحمايته، يمثل –حقا- جزءا من الحل للقضية الفلسطينية؟ أم إن الثقل السياسي الذي تلقيه السلطة الفلسطينية على الأمم المتحدة في كل عام وكل خطاب ومناسبة لا يعدو سوى أن يكون تفريغا وانجراراً نحو سراب إذا جاءه الظمآن لم يجده شيئا؟

نجاحات للقانون الدولي في قضية فلسطين

على الرغم من كل المآخذ والانتقادات على القانون الدولي وعلاقة الأمم المتحدة أساسا بمشكلة فلسطين، إلا أن تلك المنظومة، أعني منظومة القانون الدولي وأدواته ككل، أثبتت في الواقع نجاعتها في العديد من الحالات فيما يتعلق بقضية فلسطين.

استطاعت منظمة التحرير الفلسطينية الانضواء ضمن مظلة الأمم المتحدة والاعتراف لها بوضع الممثل للشعب الفلسطيني، في وقت كانت فيه المنظمة لا تزال تتبنى الكفاح المسلح في كل أدبياتها، وكان الرئيس الراحل ياسر عرفات غاية في الوضوح في كلمته الشهيرة في الأمم المتحدة آنذاك حين قال “لقد جئتكم ببندقية الثائر وغصن الزيتون، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.

مكنت منظومةُ الأمم المتحدة في تلك السنوات، وتزايُد أعداد الدول المتحررة من نير الاستعمار ولا سيما في أفريقيا، ومن ثم خروج البروتوكول الإضافي الأول الملحق لاتفاقيات جنيف عام 1977، والذي اعترفت بموجبه الدول، ولأول مرة، بحركات التحرر الوطني كطرف في النزاعات المسلحة، أقول: مكّن كل ذلك الفلسطينيين والمنظمة من التمدد وتعزيز نفوذها وحضورها، وبالتالي حضور فلسطين كقضية شعب يسعى للتحرر، في المشهد الدولي.

ومن اللافت أن الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تكن تتردد في تلك السنوات ليس فقط في إدانة الاحتلال الإسرائيلي والمطالبة بإنهائه، بل وبإعلان الدعم للشعب الفلسطيني والدعوة لدعمه بكافة الوسائل بما ذلك المسلحة. نعم! الجمعية العامة كانت تقول ذلك وفي أكثر من قرار، ولا سيما في السبعينيات.

وفي عام 2004، انتصرت محكمة العدل الدولية لحقوق الشعب الفلسطيني في قضية جدار الفصل العنصري، ليس فقط من خلال حكمها بمخالفة الجدار للقانون الدولي الإنساني ووجوب هدمه، بل وبإصرارها على تحمل دول العالم مسؤولية مشتركة عن حماية حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وإنهاء الاحتلال، وهو ما كان له أثر بالغ على صورة ومقدار وخطط تمدد الجدار.

وفي 2012، نالت فلسطين وضع الدولة المراقب غير العضو في الأمم المتحدة، الأمر الذي أنهى الجدل القانوني حول وضعها كدولة. استطاعت فلسطين إثر ذلك الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية التي كانت موصدة أمامها حيث هي مفتوحة فقط للدول، وأهمها اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها الإضافية، الأمر الذي له انعكاساته الكبيرة على وضع الأراضي المحتلة ولا سيما وضع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، كما تمكنت من الانضمام لميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، وهو الانضمام الذي أدى ولا يزال إلى حدوث أزمة كبرى بالنسبة للعديد من دول الغرب التي لا ترغب برؤية فلسطين تقاضي مسؤولين إسرائيليين في المحكمة.

وبين هذا وذاك، نالت قضية فلسطين العدالة على مستويات قضائية إقليمية ومحلية عديدة. فبينما انتصرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لحركة مقاطعة إسرائيل، واعتبرت أعمالها تدخل في نطاق حرية التعبير الذي لا يمكن تجريمه، ودعت في حكم آخر إلى حماية المستهلك الأوروبي عبر تبيان أن موطن البضائع القادمة من المستوطنات الإسرائيلية هو ذاك، وليس “إسرائيل”، نالت قضية فلسطين العدالة أيضاً في قضية محلية في إيطاليا حين قام برنامج تلفزيوني هناك بتقديم القدس كعاصمة لإسرائيل، الأمر الذي رفضته محكمة روما لأنه يتعارض مع القانون الدولي الذي لا يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

إخفاقات وتحديات

وفي مقابل تلك النجاحات المهمة، كان هناك العديد من الإخفاقات في مسار فلسطين القانوني، فبينما انتصرت محكمة العدل الدولية لفلسطين في قضية الجدار وأمرت بهدمه، ومع أن ذلك كان له أثر مهم في إعاقة المضي قدما ببناء الجدار، إلا أن ذلك لم يمنع من الاستمرار به وإن بوتيرة أقل ومع بعض التغييرات الهامشية هنا وهناك في حدود الجدار وفي طبيعته.

وبينما تحقق المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم الإسرائيلية، فإنها تحقق أيضاً في ارتكاب الفصائل الفلسطينية المسلحة لأعمال قد تمثل وفق ميثاق روما جرائم حرب.

وعلى أرض الواقع، لا تزال المكونات الفلسطينية المختلفة، حكومة وشعبا وفصائل، متباينة بشكل كبير في موقفها من القانون الدولي. صحيح أن الرئيس محمود عباس وضع ثقلا كبيرا في مسارات وأدوات القانون الدولي مما حقق نجاحات مهمة، إلا أن ذلك لا يزال بعيدا عن أن يمثل خيارا إستراتيجيا لفلسطين –ضمن خيارات متعددة-، بقدر ما هو تكتيك موسمي يسخن ويبرد حسبما تفرضه الوقائع على الأرض محليا وعالميا.

وليست الفصائل الفلسطينية بأفضل حالاً، فهي تتنادى للقانون الدولي والقانونيين حينما يمسها حادث ما ذو صلة، ثم سرعان ما تنفضّ عنه وعنهم. وبطبيعة الحال، فإن عموم الشعب ليس في الأراضي المحتلة فحسب، بل وفي أماكن اللجوء، آيس من هذا “الإشباع الخطابي” الذي يسمعه منذ أن فتحت هذه القضية عينيها ثم لا يرى أثرا جوهريا لذلك الخطاب.

وفي ظل ذلك، يصبح القانون الدولي وأدواته غالبا محل اجتهادات فردية، لا محل جهد جماعي منظم، وهو ما يجلب معه استنزافات أخرى تتمثل في التكرار وعدم مراكمة التجربة وضياع كثير من الجهود في تجريب ما لا يمكن أن ينجح، فضلا أصلا عن ضياع البوصلة، وهو، في المقابل، ما يفتح الباب لـ “بائعي الهوى في القانون”، أولئك الذين لا يمثل انخراطهم في المشهد الحقوقي الفلسطيني أكثر من كونه بابا للتكسب والتربح، وهو ما يزيد من إحباط المجتمع والنخبة على السواء من وجود خير في القانون الدولي ومن يعمل فيه.

ماذا بعد؟ القانون وفلسطين، أولوية التشبيك والمراكمة ورفع الوعي

لكل ما سبق تبدو أولوية العمل القانوني المنظم من أجل العدالة في فلسطين أولوية مطلقة، للاستفادة من كل هذه الطاقات ومراكمة التجربة والبناء عليها، ليس فقط من أجل فلسطين، بل من أجل المجتمع الدولي ككل، الذي اعتبر –عبر محكمة العدل الدولية وكذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي أكثر من مناسبة- بأن ما يحصل في فلسطين يهدد الأمن والسلم الدوليين.

إن اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي يعبر عن الالتزام الدولي بحل هذه المسألة، هو فرصة مهمة لنا كقانونيين من مختلف أنحاء العالم مهتمين بهذه القضية، للعمل والتشبيك وتلمس الإشكالات والتحديات والفرص.

في هذا السياق، تأتي تجارب واعدة كتجارب منظمات المجتمع المدني الفلسطيني والدولي المنخرط في فلسطين، هامة ومحفزة إلى الدرجة التي تدفع إسرائيل لاتخاذ قرار جنوني كقرار وصم 6 منظمات حقوقية فلسطينية بالإرهاب فيما هي تعد رائدة العمل المدني الفلسطيني وشريكة المجتمع الدولي في سيادة حكم القانون في فلسطين.

إن عملاً كعمل منظمة القانون من أجل فلسطين، والمؤتمر الذي تعقده اليوم ضمن تظاهرة قانونية عالمية تجمع الخبراء من كل مكان، بما في ذلك المقررون الخاصون للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية على مدار الـ20 عاما الماضية: جون دوغارد، ريتشارد فولك، والحالي مايكل لينك، لتمثل فرصة ممتازة من أجل التفاكر والنهوض والقيام بدور محوري ومنظم وواع من أجل العدالة في فلسطين.

إن هكذا مؤتمرات وتجمعات، وعلى قاعدة أن تكون جادة لا شعاراتية أو استعراضية، تمثل فرصة هامة للتشبيك مع كل المهتمين لخلق قاعدة لاستنهاض الطاقات وتوجيهها لخدمة القضية والإنسان والعدالة في هذا العالم بالانطلاق من القانون الدولي.

وما حصل في الشيخ جراح، عبر تدويل القضية وإخراجها من بعدها المحلي الذي أراده الاحتلال عبر تقديمها بأنها قضية نزاع مدني، ثم وضعها في سياقها القانوني الدولي باعتبارها قضية تهجير، وما حصل قبلها في قضية الخان الأحمر حين توقف الاحتلال عن التهجير مع البيان الذي أصدرته المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية بأنها تنظر وتراقب، وأخيرا مسألة هروب الأسرى الستة والذين يمكن، إذا ما اعتبروا أسرى حرب بمنظور القانون الدولي، فإن ذلك يجعل هروبهم مشروعا ولا يمكن المعاقبة عليه، كل هذه إرهاصات تذكرنا بواجب الوقت وأهمية المشروع.

وإذا كان القانون الدولي في نظر البعض لا يحدث نتائج ملموسة، فهو –في الحدود الدنيا- يجلب حالة تضامن وتعاطف دوليين ويحدث أزمة شرعية لأفعال المحتل، وهو ما تتكأ عليه حركات وحراكات عالمية كحركة المقاطعة من أجل تعزيز دعوتها لمقاطعة الاحتلال لإحداث ضغط حقيقي يغير من الوقائع على الأرض، ولهذا وذاك تُحارب وتجرَّم وتُلعن. فهل ندرك المعادلة؟

—————————————–

1-  مؤسس ورئيس منظمة القانون من أجل فلسطين. وباحث دكتوراه في معهد دراسات التنمية الدولية IEE بألمانيا

2- عضو مجلس أمناء منظمة القانون من أجل فلسطين، ومستشارة لدى هيئة الأمم المتحدة للمرأة. عملت أكثر من عشر سنوات خبيرة قانونية في العديد من المنظمات المحلية والدولية.

  • الأكـثر مشاهـدة
  • الـشائـع