الحريات العامة وحقوق الإنسان

الحريات العامة وحقوق الإنسان

القائمة البريدية
تاريخ النشر: 06 أغسطس, 2023

مستقبل مستدام وأوفر صحة في إقليم شرق المتوسط

تاريخ النشر: 10 أكتوبر, 2022
من داخل مستشفى الحميات بالعباسية أحد مقرات الحجر الصحي لمرضى كورونا في مصر (ناشطون)

من داخل مستشفى الحميات بالعباسية أحد مقرات الحجر الصحي لمرضى كورونا في مصر (ناشطون)

د. أحمد المنظري*

يتسم إقليم منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط بالتنوع الشديد، وهو عرضة لحالات الطوارئ، لا سيما النزاعات والأزمات الإنسانية، وقد تفاقم الوضع بسبب جائحة كوفيد-19، التي نجمت عنها اضطراباتٌ شديدة في الخدمات الصحية والنُّظُم الاقتصادية.

وكشفت أزمة كوفيد-19 عن مدى ضعف الاستعداد العالمي، لا لمواجهة الجوائح فحسب، بل لمواجهة الطوارئ الصحية الكبرى الأخرى أيضًا. وكشفت كذلك عن وجود فجوات كبيرة في القيادة السياسية والتمويل ونُظُم الصحة العامة وأدواتها، بالإضافة إلى الإجحاف الصارخ في العديد من المجالات. بيد أن الجائحة أتاحت لنا أيضًا الفرصة للاستفادة من البيِّنات التي توفرت من الدروس التي تعلمناها، لكي نزيد الاستثمارَ في الصحة والأمن الصحي، ونعتمد حلولًا مبتكرة للتحديات التي نواجهها، حتى نتمكن من بناء مستقبل أوفر صحة واستدامة.

ويجب أن تكون خطوتنا الأولى، في سبيل تحقيق ذلك، هي معالجة الإجحاف الصحي الكامن. ومتى اعترفنا بالإجحاف في الصحة ومحدداته الاجتماعية، فسوف نستطيع تحقيق النجاح في جهودنا الرامية إلى إعادة البناء على نحو أفضل وأكثر إنصافًا، وبذلك تكون النُّظُم الصحية والاجتماعية أكثر إنصافًا، ويمكنها تحقيق رؤيتنا الإقليمية «الصحة للجميع وبالجميع».

وفي عام 2021، شجعت المنظمةُ البلدانَ على تكثيف العمل من أجل عكس مسار الإجحاف المستفحِل الذي فاقمته أكثر جائحةُ كوفيد-19، والنزاعات المستمرة، والتحركات الجماعية للسكان، والتحديات البيئية، وأوجه عدم المساواة بين الجنسين، والبطالة.

ويرتبط الإجحاف الصحي ارتباطًا مباشرًا بغياب العدالة الاجتماعية. ولدينا اعتقاد راسخ بأنه من دون اتخاذ تدابير تضمن توزيعًا أكثر إنصافًا للثروة، والتزاما أكبر من جانب الحكوماتِ بزيادة الإنفاق، سيزداد الإجحاف الصحي في جميع أنحاء الإقليم لا محالة.

الإقليم بوصفه رائدًا

من أهم الدروس المستفادة من الجائحة أنه إذا غاب السلام والاستقرار والتعاون العالمي، فسوف تتوقف عجلة التنمية المستدامة، ويتراجع أملنا في مستقبل أفضل للبشرية.

وقد أُطلقت مبادرة الصحة من أجل السلام في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 بدعم فعال من عُمان وسويسرا، ثم تطورت منذ هذا الوقت لتصبح المبادرة العالمية للصحة من أجل السلام. وتدعم تلك المبادرةُ المبادئَ المتعلقة بكلٍّ من نجاح البرامج الصحية، والسعي إلى جَنْي ثمار السلام -مثل الإنصاف والشمول والمشاركة والمِلكية/ القيادة المحلية وخصوصية السياق- وفي سبيل إذكاء الوعي بالمبادرة وزيادة الاهتمام بها والزخم بشأنها.

وتُقر المبادرة العالمية للصحة من أجل السلام بأهمية تعزيز السلام والنهوض به، وذلك من خلال الحوار والمشاركة مع الجهات المعنية الدولية والهيئات الدولية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، عن طريق إشراك الأطراف الفاعلة داخل قطاع الصحة وخارجه، ومنها منظمات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والمجتمعات المحلية.

ويكفل إشراك المجتمعات المحلية الحفاظ على الخدمات الصحية الأساسية والبرامج الإنمائية من خلال تعزيز المساءلة والكفاءة، مع تلبية احتياجات المستفيدين في الوقت ذاته. وهو أيضًا يُقرِّب بين المجتمعات المتضررة، لا سيما أثناء حالات الطوارئ.

ويقدِّم تقرير اللجنة المعنية بالمحددات الاجتماعية للصحة في إقليم شرق المتوسط قائمة بالتوصيات القابلة للتنفيذ، التي تضع العدالة الاجتماعية والإنصاف في مجال الصحة في صميم جميع الإجراءات، وتدعو المنظمة راسمي السياسات ومتخذي القرارات إلى تنفيذِ هذه التوصيات للتصدي للإجحاف الصحي، لا سيما عدم المساواة بين الجنسين الذي يؤثر تأثيرًا حاسمًا على النتائج الصحية، وتعزيزِ العدالة الاجتماعية والإنصاف.

ومن الضروري، في إقليم يواجه العديد من بلدانه حالات طوارئ ممتدة وحادة، بناءُ شراكات على الصعيدين الإقليمي والقُطري، لضمان اتخاذ إجراءات فعالة متعددة القطاعات لدعم التقدم المحرز صوب تحقيق رؤيتنا «الصحة للجميع وبالجميع». وتسعى البلدان المرتفعة الدخل في الإقليم جاهدةً إلى تعزيز المشاركة من خلال إقامة شراكات متعددة الأطراف وثنائية الأطراف، بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة والشركاء الدوليين المعنيين بالتنمية. وقد أحرزنا تقدُّمًا في سعينا صوب بلوغ التغطية الصحية الشاملة. ومن خلال هذه الجهود المتضافرة سنبني نُظُمًا صحية أقوى وأفضل تكاملًا وتركيزًا على الناس؛ ونتصدى للأمراض السارية وغير السارية؛ ونضمن الحقوق الصحية للَّاجئين والمهاجرين والسكان النازحين.

وقد أصبحنا خبراء في التعامل مع حالات الطوارئ المتعددة الأخطار.

وتدعم المنظمةُ البلدانَ لبناء نُظُم صحية أكثر قدرة على الصمود في ضوء خبراتها في الاستجابة للجائحة، انطلاقًا من الدروس المستفادة على الصعيد العالمي. وتُجري المنظمة مراجعات تقنية للنُّظُم الصحية لتيسير وضع رُؤى وخرائط طريق خاصة بكل بلد، من أجل بلوغ التغطية الصحية الشاملة والأمن الصحي. وفي أثناء الجائحة، صار جليًّا أن اضطراب الخدمات الصحية الأساسية كان أشد وطأة وأطول أمدًا بكثير في البلدان التي لديها نُظم صحية أضعف.

ويهدف التحالف الصحي الإقليمي، وهو شراكة بين وكالات متعددة الأطراف معنية بالصحة والتنمية والعمل الإنساني أُطلقت في نهاية عام 2020، إلى تعزيز الدعم المُنسَّق الخاضع للمساءلة المُقدَّم إلى بلدان الإقليم، من أجل تسريع وتيرة التقدم صوب تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة، وتيسير تنفيذ خطة العمل العالمية بشأن تمتُّع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية. وكان الالتزام السياسي عاملًا أساسيًّا في تعزيز الإجراءات الرامية إلى معالجة الأسباب الكامنة وراء اعتلال الصحة، وقد أدى اعتماد مبادرات واسعة النطاق إلى إحراز تقدُّم ملحوظ في كثير من المجالات.

زيادة الابتكار والاستثمار

كان من الممكن إنجاز ما هو أكثر من ذلك بكثير، ولكن تعرقلت الجهود بسبب نقص الاستثمار المالي، وتفاقَم الوضع بتفاقُم الأثر الاقتصادي للجائحة، وزيادة الفقر وانخفاض الإيرادات العامة.

وتتمثل إحدى الأولويات الرئيسية للإقليم في تعزيز حوكمة النُّظُم الصحية من أجل الـمُضي قُدُمًا صوب بلوغ التغطية الصحية الشاملة والأمن الصحي، مع التركيز على إعادة تشكيل دور السلطات الصحية، ومراجعة التشريعات والأُطُر القانونية المتعلقة بالصحة، واعتماد طرق أكثر ابتكارًا لسد الفجوات التي تفاقمت على نحو يُنذِر بالخطر في التغطية بالتطعيم، وفي توفير خدمات التغذية الجيدة، وفي عدم تكافؤ المنافع الاجتماعية بين البلدان. وقد ألحقت هذه الفجوات خسائر فادحة بصحة سكاننا وعافيتهم وتنميتهم المستدامة، ويجب التصدي لها.

ويمكن أن تؤدي الطرق المبتكرة إلى تسريع وتيرة التأثير في الأوضاع الهشة، ولعل خير مثال على ذلك الاستثمار الذي قامت به المنظمة في وضع استراتيجية قائمة على البيانات، لتعزيز إتاحة الأكسجين الطبي وتوفره في الصومال. ومن خلال الاستفادة من الاستجابة لكوفيد-19، لم تكتفِ المنظمة بالاستثمار في علاج مرضى كوفيد-19 فحسب، بل أيضًا في علاج جميع المرضى الذين يحتاجون إلى علاج تكميلي بالأكسجة. ويمكن أن تكون هذه الحلول المبتكرة مثالًا يُحتذَى به في سياقات أخرى، وقد تساعد على عكس مسار الإجحاف الصحي الجسيم.

ومن أجل بلوغ إقليم مستدام يتمتع بصحة أوفر، يلزم إيجاد حلول أكثر ابتكارًا، يستطيع جميع أصحاب المصلحة والشركاء والأطراف الفاعلون المساهمة فيها. والآثار الخطيرة لتغيُّر المناخ والمخاطر البيئية على الصحة وجميع مناحي الحياة تقريبًا مثالٌ واحد على هذا المجال الذي يحظى بالأولوية.

فالمخاطر البيئية واحدة من المحددات الرئيسية للصحة في جميع مراحل الحياة. والمحددات البيئية للصحة مسؤولة عن نحو 23% من عبء الأمراض، فهي السبب في وفاة أكثر من مليون شخص و38 مليون سنة من سنوات العمر المصححة باحتساب مدة الإعاقة في إقليم شرق المتوسط، مع ما يقترن بذلك من خسارة سنوية تُقدَّر بمبلغ 144 مليار دولار أمريكي. والكثير من المتضررين من النساء والأطفال الذين يعيشون ويعملون في مناطق ملوثة أو تعاني من هشاشة نُظمها البيئية، وهم أكثر عرضة لتلوث الهواء داخل المساكن، ويتعرضون أيضًا لمخاطر أكبر بسبب العوامل البيئية المتنوعة. وبالرغم من أن جائحة كوفيد-19 قد أثبتت أن تحجيم الأنشطة البشرية غير المستدامة وضبطها يمكن أن يؤثرا تأثيرًا إيجابيًّا على تلوث الهواء وتغيُّر المناخ، فلا يزال ضمان استمرار التأثير والتعافي المُراعي للبيئة يمثلان تحديًا كبيرًا.
ويكتسي الابتكار وزيادة الاستثمار في التصدي لقضايا الصحة العامة، مثل تقديم الخدمات الخاصة بالأمراض غير السارية، أهمية جوهرية، ويُعد الاستثمار في مجالات الصحة النفسية، والإعاقة، والتأهيل، والتكنولوجيات المساعِدة، عاملًا جوهريًّا أيضًا في تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030. ومن الأولويات البالغة الأهمية أيضًا في الإقليم تحفيز المجتمعات المحلية وتمكينها، من أجل اتخاذ قرارات مستنيرة وصحية ومأمونة ومستدامة، وتحسين توفُّر الخدمات الصحية الجيدة والفعالة والمأمونة، والتي تركز على الناس، وإتاحة هذه الخدمات، وتيسير القدرة على تحمُّل تكلفتها، وتحسين التغذية والأمن الغذائي لجميع الفئات السكانية، لا سيما الفئات السكانية الضعيفة، وهي أيضًا من العناصر الرئيسية للنجاح في تحقيق مبادرتنا الإقليمية لتوفير الصحة للجميع وبالجميع.

————————————————————-

*مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط

  • الأكـثر مشاهـدة
  • الـشائـع