الحريات العامة وحقوق الإنسان

الحريات العامة وحقوق الإنسان

القائمة البريدية
تاريخ النشر: 06 أغسطس, 2023

المهاجرون العالقون في اليمن.. أهوال ومخاطر واستجابة محدودة

تاريخ النشر: 2 يونيو, 2022
اللاجئون الأفارقة باليمن يتعرضون للعنف والاضطهاد (الجزيرة)

اللاجئون الأفارقة باليمن يتعرضون للعنف والاضطهاد (الجزيرة)

آنجيلا ويلز 1

على الرغم من الصراع المحتدم، والانتهاكات الجسيمة، والقيود المفروضة على التنقل جراء الوباء، يواصل المهاجرون من القرن الأفريقي خوض رحلاتهم إلى اليمن على متن القوارب في محاولةٍ يائسةٍ للبحث عن حياة أفضل.

فلم يصل هذا العام إلى منتصفه بعد، حتى تخطى عدد المهاجرين الوافدين إلى اليمن إجمالي عدد الوافدين العام الماضي، عابرين أكثر طرق الهجرة البحرية ازدحاماً في العالم قبل جائحة كورونا، بحسب تصنيف مصفوفة تتبع النزوح تابعة للمنظمة الدولية للهجرة.

ويهدد النقص الحاد في تمويل الاستجابة الإنسانية في اليمن بدفع المهاجرين أكثر نحو غياهب المجهول.

وتشير التقديرات إلى أن عشرات الآلاف من المهاجرين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد. فقد أضحى المهاجرون عالقين في بلدٍ يعاني من حربٍ ألقت بظلال عامها الثامن عليه وقوضت اقتصاده، بعد أن استعصى عليهم الوصول إلى المملكة العربية السعودية حيث يأمل معظمهم في العثور على فرص العمل.

فالكثير من المهاجرين يتركون وراءهم حياة يسودها الفقر واليأس، ليصلوا إلى شواطئ اليمن غير مدركين المخاطر التي ترتقبهم، فيخوضون رحلة أقسى وأطول بكثير مما كانوا يتصورون.

كما أن ثلثي المهاجرين الإثيوبيين الذين يسافرون عبر جيبوتي في طريقهم إلى اليمن لم يكونوا على دراية بالصراع الدائر في البلد.

عائدة*، امرأة تبلغ من العمر 18 عاماً، غادرت منزلها في إثيوبيا في أبريل/نيسان بعد وفاة والديها وتوليها بمفردها مسؤولية رعاية شقيقيها.

وقالت عائدة قبل بضعة أيام: “لم أغادر بلدي من قبل، ولم أكن أعرف أنني في طريقي إلى بلد في حالة حرب. اعتقدت أنني سأكون قادرةً على مساعدة أخي وأختي في الحصول على حياة أفضل”.

ولكن لم تسر الأمور كما كانت تظن، فقد أخبرتنا عائدة أنها خلال ثمانية أشهر تعرضت للاعتداء الجسدي والجنسي من قبل شبكتي تهريب مختلفتين.

تقول: “احتجزني المهربون لمدة شهرين وطالبوا عائلتي بدفع المال لأحدهم. وبعد شهرين، تم بيعي لشخص آخر احتجزني في غرفة واحدة لفترة طويلة”.

تمكنت عائدة في نهاية المطاف من الفرار عندما تُرك باب المنزل الذي كانت محتجزة فيه مفتوحاً.

والمثير للقلق أن قصتها ليست فريدة، حيث تقدر المنظمة الدولية للهجرة أن الغالبية العظمى من النساء يتعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي في هذه الرحلة. ويتسبب لهن هذا العنف بضائقة نفسية حرجة، فيما يتعرض البعض الآخر منهن للحمل غير المرغوب فيه.

وعادةً ما يُجبَرُ المهاجرون – الذين دفعوا للمهربين مقابل خدماتهم في بداية الرحلة – على تقديم مبالغ أكبر كلما طالت مدة بقائهم في اليمن.

أما أولئك الذين يفتقرون إلى المال فغالباً ما يُجبَرون على العمل أو يتم استغلالهم بطرق أخرى “لتعويض” المهربين.

ويقوم المهربون، في معظم الأحوال، بإساءة معاملة المهاجرين، ويتم تسجيل هذه الانتهاكات وإرسالها في مقاطع فيديو إلى عائلاتهم التي يتعين عليها دفع المبالغ المطلوبة أو المخاطرة بفقدان أحبائهم.

وقال منير*، أحد المهاجرين الذين ساعدتهم المنظمة الدولية للهجرة: “كان المهربون يضربوننا بالحجارة والأسلاك الكهربائية كل يوم، طالبين منَّا المزيد من المال. فبعض الأشخاص لم يعودوا قادرين على المشي بسبب الضرب. لم يكن لدى عائلتي أي شيء آخر يمكنهم بيعه، لذلك بقيت محتجزاً لدى المهربين لسبعة أشهر”.

كما تشيع في اليمن ظاهرة الاحتجاز التعسفي للمهاجرين – بمن فيهم الأطفال – لفترات طويلة، وغالباً ما يحدث ذلك في الأجزاء الشمالية من البلاد.

وفي عام 2021م، نشب حريق في مرفق احتجاز مكتظ للغاية في صنعاء مما أدى إلى وفاة العشرات من المهاجرين وإصابة أكثر من 170 بجروح خطيرة، ويأتي هذا الحادث ليُسَلِّط الضوء مجدداً على الظروف الخطرة والمهينة وغير الإنسانية التي يتم احتجاز المهاجرين فيها.

وتشير منظمات إنسانية وحقوقية في تقارير موثوقة إلى أن المئات من المهاجرين يتم نقلهم أسبوعياً قسراً من المحافظات الشمالية إلى الجنوبية.

وبذلك يعود المهاجرون إلى المربع الأول، وليس أمامهم سوى خيارات محدودة: إما محاولة الوصول إلى المملكة العربية السعودية مرة أخرى، أو بذل كل ما بوسعهم للعودة إلى وطنهم.

ولم يرَ حوالي 13 ألف مهاجر أي خيار سوى وضع حياتهم في أيدي المهربين مجدداً للعودة على متن القوارب من اليمن إلى جيبوتي. واستغل المهربون هذا اليأس وقاموا بحمل أعداد كبيرة من المسافرين على متن قوارب صغيرة لينتهي الأمر بانقلاب بعضها وغرق العشرات.

وبخلاف هذا الطريق الخطير إلى الوطن، توجد خيارات أخرى قليلة.

وتقدم المنظمة الدولية للهجرة شريان حياة للمهاجرين الذين يرغبون في العودة إلى الوطن، حيث تهدف المنظمة لمساعدة 6750 مهاجراً إثيوبياً على الأقل على العودة بأمان وكرامة خلال الأشهر المقبلة عبر رحلات العودة الطوعية الإنسانية.

وهناك حاجة عاجلة إلى مزيد من الموارد اللازمة لمساعدة الراغبين في العودة إلى بلدانهم، وللتخفيف من معاناة المهاجرين من خلال – على سبيل المثال – آليات مماثلة لخطة الاستجابة الإقليمية للمهاجرين في القرن الأفريقي واليمن، والتي تتطلب تمويلاً قدره 67 مليون دولار أمريكي في عام 2022 لإنقاذ الأرواح وحماية الفئات الأكثر ضعفاً.

وفي نهاية الأمر، توجد حاجة ماسة إلى إيجاد حل أكثر شمولاً لقضية المهاجرين في المنطقة.

وهناك حاجة ماسة إلى تخصيص طُرق قانونية تسمح للناس بالهجرة بأمان وكرامة. وعلى المدى الطويل، ينبغي أيضاً معالجة الأسباب التي تدفع الناس إلى القيام برحلات الهجرة الخطرة، ومن تلك الأسباب البطالة وتغير المناخ والصراع.

ويتعين بذل المزيد من الجهود لضمان أن المنظمات الإنسانية يمكنها الوصول إلى أولئك الذين يكافحون من أجل البقاء في المواقع التي يصعب الوصول إليها.

كما يجب مراعاة واحترام حقوق المهاجرين مثل عائدة ومنير وغيرهم. ولا ينبغي، في أي بلد في العالم، احتجاز المهاجرين رغماً عنهم في أوكار التهريب، أو تعريضهم للعنف، أو العمل القسري، أو الاحتجاز التعسفي في ظروف غير إنسانية.

وأردفت عائدة: “كان حلمي أن أكسب ما يكفي من المال لبناء منزل لي ولأخي وأختي وفتح مشروع تجاري صغير في إثيوبيا. ما زالت أملك نفس الحلم، ولكني الآن أحاول أن أبقى بعيداً عن أولئك الذين يريدون إيذائي”.

وكما هوا الحال مع الآلاف، تنتظر عائدة فرصتها في الحصول على حياة كريمة.

تقدر المنظمة الدولية للهجرة أن هناك حالياً قرابة 190 ألف مهاجر بحاجة إلى المساعدات الإنسانية في اليمن. فقد خاض، العام الماضي، أكثر من 27 ألفا و500 مهاجر الرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى اليمن.

*تم تغيير الأسماء لحماية هوية أصحابها.

—————-

1 مسؤولة التواصل والإعلام في المنظمة الدولية للهجرة في اليمن

  • الأكـثر مشاهـدة
  • الـشائـع