الحريات العامة وحقوق الإنسان

الحريات العامة وحقوق الإنسان

القائمة البريدية
06 أغسطس, 2023

ثلاث مبادرات لإنقاذ الأطفال بمناطق الحرب

17 ديسمبر, 2025
العلاج باللعب إحدى المبادرات الثلاث الساعية للتخفيف من وطأة الحرب على الأطفال (الأناضول)<br />

العلاج باللعب إحدى المبادرات الثلاث الساعية للتخفيف من وطأة الحرب على الأطفال (الأناضول)

الأميرة سارة زيد*

بحسب تقرير “أوقفوا الحرب على الأطفال” الصادر عن منظمة إنقاذ الأطفال عام 2025، يعيش اليوم أكثر من 520 مليون طفل، أي واحد من كل خمسة أطفال في العالم، في مناطق تتأثر بالنزاعات المسلحة.

هناك، تُزهَق أرواح الأطفال وتُشوّه أجسادهم، ويُحرمون من الطعام ومن فرص النمو الذهني والعاطفي السليم، بينما تتهاوى الروابط المجتمعية وتتفكك الأسر، ويُنتزع من الشباب دورهم الطبيعي كفاعلين ومشاركين في مجتمعاتهم.

وفي ظل تلك الدوامة يموت الرضّع أو يجدون أنفسهم أسرى دوّامة أخرى من سوء التغذية والأمراض الحادة الناجمة عن العدوى، بما يحمله ذلك من عواقب وخيمة على نموهم وتطورهم في المستقبل.

تقدّم منظمة أطباء بلا حدود، بصفتها منظمة طبية وإنسانية، الرعاية الطبية للأشخاص الذين عصفت بهم النزاعات والكوارث والأوبئة والإقصاء الاجتماعي. وفي مشهد يعكس حجم المأساة، يشكّل الأطفال دون سن السادسة عشرة أكثر من 60% من مرضاها.

ومن أجل تمكين العاملين في القطاعين الصحي والإنساني، من مواكبة الاحتياجات المتزايدة للأطفال الذين يعيشون في خضم النزاعات، وللاستمرار في التكيف من أجل تقديم أعلى مستويات الرعاية الطبية في بعض من أقسى السياقات في العالم، جمعت أطباء بلا حدود خبراء في صحة الطفل وعاملين على الخطوط الأمامية في مؤتمر “أيام طب الأطفال” الذي عُقد على مدى يومين في عمّان أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني.

أجمع المشاركون على حقيقة قاسية تُخيّم على عالمنا اليوم وهي أننا نشهد تزايدا مستمرا في عدد النزاعات طويلة الأمد، حيث أدت “تطوّرات” الحرب الحديثة إلى زيادة حصيلة الضحايا من المدنيين، بينما يُترك من ينجون في ظروف مروّعة يواجهون فيها مستويات متزايدة من الصدمات الجسدية والنفسية والاجتماعية. ويأتي كل ذلك في ظل تقليص عالمي للمساعدات. فميزانية المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، التي كان يُخطط أن تبلغ 44 مليار دولار أميركي، جرى خفضها بنسبة 34% إلى 29 مليار دولار فقط هذا العام.

يعني هذا التراكم في العوامل أن مزيدا من الناس سيعانون، وأن مزيدا من الأمهات والرضّع والأطفال سيقضون لأسباب كان يمكن تفاديها.

وقد أدى التصاعد المتسارع في النزاعات الإقليمية إلى تقويض وصول مجتمعات كثيرة إلى الرعاية الصحية اللازمة. ففي شهر أكتوبر/تشرين الأول وحده، كان نحو 4 آلاف طفل في غزة لا يزالون على قوائم الانتظار للإجلاء الطبي، بحسب منظمة الصحة العالمية. وفي هذا السياق، تواصل أطباء بلا حدود علاج المصابين جراء النزاع في المنطقة، إذ تدير في عمّان منذ عام 2006 برنامجا يوفّر جراحات ترميمية معقدة، إلى جانب الرعاية النفسية والاجتماعية والتأهيل طويل الأمد، للبالغين والأطفال المصابين بسبب الحروب من العراق وسوريا واليمن، والآن من فلسطين أيضا.

ومع ذلك، لا يصل إلى المستشفيات التي توفر خدمات الجراحة الترميمية المتخصصة سوى عدد ضئيل جدا من الأشخاص.

لطالما جرى إهمال احتياجات الأطفال في خضم النزاعات، لكننا في أيام طب الأطفال استمددنا طاقة جماعية من مبادرات مبتكرة تسعى إلى التخفيف من وطأة الحرب والصدمات على الأطفال، ولديها قابلية لأن تُعتمد على نطاق أوسع. فهي تدخلات منخفضة الكلفة وعالية الأثر تشمل الوقاية والعمل المجتمعي والدعم النفسي الاجتماعي، تنطلق من التوعية بفوائد الرضاعة الطبيعية المبكرة على صعيد المجتمعات وتصل إلى العلاج باللعب وتوفير الإسعافات الأولية على صعيد المجتمع. لا تقتصر هذه الاستجابات على رعاية الأطفال وحمايتهم وإنقاذ الأرواح فحسب، بل تحمل وعدا بأثر أعمق يمتد عبر الأجيال، وتزرع بذور الأمل بمستقبل يمكن أن يتجاوز الحرب.

يمكن لبدء الرضاعة الطبيعية خلال الساعة الأولى بعد الولادة أن يخفّض وفيات حديثي الولادة بنسبة تصل إلى 20%، كما أن الاستمرار في الرضاعة الطبيعية الحصرية يمدّ آثارها المنقذة للحياة لكل من الأم وطفلها معًا. غير أن تحقيق ذلك لا يكون سهلا في ظل النزاعات المستمرة والنزوح القسري وظروف المعيشة الهشّة وانعدام الأمن الغذائي في أماكن مثل قطاع غزة، وهي كلها عوامل تقيد قدرة الأمهات على الإرضاع.

ومع ذلك، وعلى الرغم من العقبات التي تكاد تُلامس حدود المستحيل، تواصل المنظمات بذل أقصى ما في وسعها للمساعدة. ففي أبريل/نيسان 2024، أُنشئ تحالف غزة لتغذية الرضّع لدعم النساء المُرضِعات ومساندتهن في توفير إمداد متواصل من حليب الأم لأطفالهن. يعتمد هذا التحالف نهجا مبتكرا يرتكز على شبكات من المتطوّعين داخل المجتمع، نجحوا في بناء بيئة داعمة للنساء المُرضِعات، سواء عبر اللقاءات المباشرة أو من خلال مجموعات التواصل الافتراضية، ما يتيح للأطفال أن ينموا بأمان أكبر في أحضان أمهاتهم.

ومع أن اللعب يعد عنصرا أساسيا لسلامة الطفل، فهو يدعم صحته الجسدية ووظائفه المعرفية، وتطوره اللغوي والاجتماعي والعاطفي. ومن خلال اللعب، يكتشف الطفل العالم من حوله، ويتعلم كيف يبني علاقات قائمة على الثقة مع الآخرين. لكن الأطفال الذين يعيشون في خضم النزاعات، ويواجهون في كثير من الأحيان الموت والدمار والحزن وشعورا باليأس لا يلعبون، كما لعب أطفالي وهم صغار، في بيئات آمنة ومستقرة. كما يزيد دخولهم إلى المستشفى من عمق صدماتهم النفسية.

طورت منظمة أطباء بلا حدود “مجموعة أدوات” للعلاج باللعب، تزوّد مقدمي الرعاية الصحية بإستراتيجيات عملية تساعدهم على دمج اللعب العلاجي المُراعي للصدمات ضمن الرعاية التي يقدمونها. ومن خلال لحظات لعب قليلة ومتواصلة، يتعلّم الأطفال كيف يضبطون مشاعرهم، ويُعبّرون عن مخاوفهم، ويستعيدون قدرتهم على التصرف والاختيار. الكلفة ضئيلة، لكن أثر ذلك يمكن أن يغيّر حياتهم بحق، ويظهر في تعافيهم وفي مسار رفاههم النفسي على المدى البعيد.

أمّا التدخل الثالث الذي جرى تسليط الضوء عليه في عمّان، ويُنَفَّذ حاليا على نحو تجريبي من قِبل منظمة هالو ترست، الجهة المتخصّصة في إزالة الألغام والتوعية بمخاطرها، فهو برنامج تدريب مجتمعي للمستجيبين الأوائل، يركّز على تعليم الإسعافات الأولية للإصابات البليغة. فالبيانات التي نُشرت هذا الشهر تكشف أن 46% من بين ما لا يقل عن 6279 شخصا تشوّهوا أو قُتلوا بسبب الألغام الأرضية أو الذخائر غير المنفجرة حول العالم في عام 2024، كانوا من الأطفال.

تتطلب الإصابات الناجمة عن القنابل والألغام والذخائر غير المنفجرة تدخّلا طبيا فوريا لوقف النزيف القاتل، وهو نزيف يحدث بشكل أسرع لدى الأطفال بسبب ضآلة أجسادهم قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى المستشفى.

لا يستطيع العاملون في المجال الإنساني إيقاف العنف، لكنْ بوسعنا أن نسهم في الحد من أسوأ آثاره على النساء والأطفال. علينا أن نوفر مساحات أكبر داخل المرافق الصحية، وأن نعمل مع المجتمعات على تعزيز أفضل الممارسات التي تتيح إنقاذ الأرواح وتدعم الصحة، وأن نساند المنظمات الملتزمة بهذا العمل، لضمان حصول الأطفال على أفضل الأسس لبناء مستقبل صحي، مع أمهات يتمتعن بالقدر نفسه من الحماية للصحة والرفاه. علينا أيضا أن ندلي بشهاداتنا لنضع هذه القضايا في صدارة الاهتمام العالمي.

———————————————-

* مناصِرة دولية لقضايا صحة وتغذية وسلامة النساء والأطفال والمراهقين في السياقات الإنسانية والهشّة، وتعمل بشراكات مع الأمم المتحدة واليونيسف وأطباء بلا حدود.

  • الأكـثر مشاهـدة
  • الـشائـع