الحريات العامة وحقوق الإنسان

الحريات العامة وحقوق الإنسان

القائمة البريدية
تاريخ النشر: 06 أغسطس, 2023

الحرب في غزة.. التهجير القسري ومشاهد النكبة

تاريخ النشر: 4 ديسمبر, 2023
فلسطينيون يفرون من شمال القطاع إلى جنوبه (رويترز)

فلسطينيون يفرون من شمال القطاع إلى جنوبه (رويترز)

نور صباح

 نصت المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب على حظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أي أراضي دولة أخرى محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه.

كما يؤكد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن التشريد القسري جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وعندما يتم ارتكاب ذلك على نطاق واسع أو منظم موجه ضد السكان المدنيين فإن الترحيل أو النقل القسري للسكان يعتبر خرقاً لاتفاقيات جنيف كما ذكرنا آنفاً. [1]

نشر الصليب الأحمر الدولي دراسة في عام 2005 حول قواعد القانون الدولي الانساني العرفي، تحظر قيام الأطراف في نزاع مسلح دولي أو غير دولي بترحيل السكان المدنيين أو نقلهم قسراً بصورة كلية أو جزئية، من أرض محتلة، إلا إذا اقتضى ذلك أمن المدنيين المعنيين، أو لأسباب عسكرية قهرية.

التهجير نحو الجنوب:

إحدى الأدوات التي اتبعتها إسرائيل في التواصل مع الفلسطينيين هي إلقاء المنشورات على سكان مدينة غزة تطلب منهم التحرك نحو الجنوب تحت عنوان “الطريق الآمن” والتوجه إلى “المنطقة الإنسانية” على حد وصفهم، وقد أمهلتهم أربع ساعات فقط للتحرك وتفريغ شمال القطاع. وأشارت إلى أن المساعدات الإنسانية ستقدم حصراً في الجنوب. وتحت عبارة “قد أعذر من أنذر” تطلب الحكومة الإسرائيلية من سكان الشمال عدم العودة لمنازلهم وقت الهدنة، لكونها تشكل خطراً عليهم.

لاحقاً، وجه الجيش الإسرائيلي تحذيرات للسكان في جنوب القطاع وخاصة بمحافظة خان يونس لإخلاء منازلهم، حيث ورد عن إذاعة الجيش الاسرائيلي “لأول مرة، دعا الجيش سكان بعض أحياء خان يونس جنوب قطاع غزة إلى إخلاء منازلهم”، وبالتالي لم يعد الجنوب آمناً أيضاً.

وبعد انتهاء الهدنة، طالب الاحتلال الإسرائيلي سكان المناطق الشرقية لخان يونس في جنوب القطاع للتوجه نحو مدينة رفح باتجاه الحدود المصرية، وقد حددت المنشورات التي ألقيت بأنه على سكان بلدات القرارة وخزاعة وعبسان وبني سهيلا التوجه نحو “الملاجئ” غير الموجودة أصلاً في أقصى الجنوب، ليدلل هذا الأمر أن لا مكان آمنا في قطاع غزة.

وفي مشاهد تذكر بالنكبة، خرج الناس في غزة سيراً على الأقدام أو على عربات تجرها الدواب، يحملون ما خف من المتاع والزاد ومنهم من خرج بنفسه وأطفاله فقط. منهم من رفع الراية البيضاء تفادياً للهجوم الإسرائيلي، لكنها لم تحل بينهم وبين القصف.

وثقت منظمة الأونروا وصول عدد النازحين إلى ما يقرب من مليون ومائة ألف فلسطيني غزي نزح من منزله نحو مناطق أخرى أو نحو الجنوب دون تأمين طرق النزوح، أو تأمين مسكن بديل، بل تم اللجوء إلى الإقامة في منازل الأقارب أو الاعتماد على المركبات لتصبح هي المأوى، أو نصب الأقمشة لتصبح بمثابة الخيام أو اللجوء إلى الأعيان المدنية كالمستشفيات والمدارس ودور العبادة التي فقدت بدورها شرط الأمان بعد أن تم قصفها بشكل ممنهج. كل هذا في واحدة من أشد المناطق اكتظاظاً بالسكان في العالم حيث إن مساحة القطاع لا تتجاوز 365 كيلومترا مربعا، فكيف لنصف المساحة الجغرافية أن تتحمل أكثر من مليوني شخص؟

التهجير إلى سيناء

لم تكتف إسرائيل بإزاحة سكان القطاع المدنيين قسراً إلى الجنوب، بل جاءت التصريحات الإسرائيلية بدءاً من رئيس الحكومة بضرورة مغادرة السكان للقطاع وإفراغ القطاع من أهله. حتى إن كبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي ريتشارد هيخت، قال في بدايات الحرب إن “معبر رفح لا يزال مفتوحاً … وأنصح أي شخص يمكنه الخروج بالقيام بذلك”.

هذا السيناريو ليس غريباً في هذه الحرب حيث لم تولد فكرة توطين فلسطينيي غزة في سيناء اليوم، فحسب وثائق بريطانية وضعت إسرائيل خطة سرية في عام 1971 لنقل آلاف اللاجئين الفلسطينيين إلى المنطقة الشمالية الغربية من سيناء في محاولة للحد من العمليات الفدائية ضد الاحتلال والمشكلات الأمنية. [2]

وفي الآونة قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اعتراضاً على مشروع التهجير إلى سيناء “إذا كانت هناك فكرة للتهجير، فلم لا ينقل الفلسطينيون إلى النقب”.

اليوم في ظل هذه الحرب الضارية على أهل غزة ونازحيها، وفي ظل هدنة أعادت الحرب لمربعها الأول، تتجدد جريمة التهجير التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ليقف العالم على أبواب نكبة جديدة. فهل يتدارك العالم هذه الكارثة قبل الأوان؟

——————————————

[1]  فرانسواز سولنييه. القاموس العملي للقانون الإنساني. دار العلم للملايين، 2019. ص 1088.

[2] اسرائيل وضعت خطة سرية لترحيل آلاف الفلسطينيين من غزة إلى العريش في سيناء عام 1971-وثائق بريطانية. بي بي سي عربي، 30 أكتوبر 2023. https://www.bbc.com/arabic/middleeast-67253400