الحريات العامة وحقوق الإنسان

الحريات العامة وحقوق الإنسان

القائمة البريدية
تاريخ النشر: 06 أغسطس, 2023

في غزة.. لا حق للمدنيين في الحياة

تاريخ النشر: 28 نوفمبر, 2023
إسرائيل لم تميز بين المقاتيلن والسكان المدنيين الذين جعلتهم في عين العاصفة (الفرنسية)

إسرائيل لم تميز بين المقاتيلن والسكان المدنيين الذين جعلتهم في عين العاصفة (الفرنسية)

نور صباح

شهدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة انتهاكات حقوقية فظيعة رصدتها وسائل الإعلام ووثقتها منظمات حقوقية عديدة.

ويستدعى ذلك بيان المرجعية القانونية، أي النصوص المنطبقة على تلك الجرائم، التي سنها المشرع الدولي لتحفظ حقوق الإنسان في حالات النزاع والحرب.

إبادة جماعية

بدايةً فيما يخص حفظ حق الحياة للمدنيين، فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1948، والتي دخلت حيز النفاذ عام 1951. وتعتبر هذه الاتفاقية من الاتفاقيات التي تسري أحكامها حتى على الدول التي لم تصدق عليها وذلك بموجب حكم أصدرته محكمة العدل الدولية، اعتبر اتفاقية منع جريمة الإبادة قانوناً دولياً عرفياً ملزماً لجميع الدول.

ويرد أيضا تعريف للإبادة الجماعية في المادة 6 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية اعتمد في روما في تموز/ يوليو عام 1998، حيث اشتمل اختصاص المحكمة على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية.

وتعرف المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية مصطلح الإبادة الجماعية بأنه يعني أياً من الأفعال التالية التي ترتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه، منها: قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق أذى بدني أو معنوي جسيم بأعضاء من الجماعة، إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.

كذلك تنص المادة 3 من الاتفاقية ذاتها على المعاقبة على الأفعال التالية: التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية، التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، الاشتراك في الإبادة الجماعية. [1]

الجدير بالذكر أن هذه الاتفاقية تعتبر أول معاهدة لحقوق الإنسان اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويشير ويليم شاباس إلى أن هذه الاتفاقية قد تعرضت للانتقاد بسبب نطاقها المحدود وعجزها عن التصدي للجرائم الجماعية. [2] وهو ما يبدو واضحاً في عجز الاتفاقيات والقوانين الدولية عن ردع إسرائيل عما ترتكبه في قطاع غزة. حتى في ظل دعوات صريحة للإبادة مثل تصريح وزير التراث الإسرائيلي بضرب قطاع غزة بقنبلة نووية لإبادتها.

 خطاب كراهية

تفسر الأمم المتحدة خطاب الكراهية بأنه نوع من “التواصل الشفهي أو الكتابي أو السلوكي الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، أو على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية”.

صعّد الخطاب الإسرائيلي الإعلامي الحملة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وحرض عليهم في خطاب كراهية محموم. وقد تجلى ذلك فيما يلي:

أولاً: نزع الصفة الإنسانية عنهم و”حيونتهم”، الذي تمثل بخطاب وزير الدفاع الإسرائيلي “نحن نحارب حيوانات بشرية”.

ثانياً: نزع الصفة المدنية عن كل فلسطيني في غزة وأنهم حملة سلاح، أو متسترون على المقاومة.

ثالثاً: نزع الصفة المدنية أيضاً عن الأجنة في بطون أمهاتهم.

ويذكر هذا التحريض بما حصل في روندا من خطابات كراهية من قبيل: “هؤلاء القوم قذرون وعلينا أن نبيدهم، يجب علينا التخلص منهم، هذا هو الحل الوحيد، هؤلاء صراصير”، إذ لم يكتفوا في رواندا بالتحريض وحسب إنما دعوا للرقص والغناء احتفالاً بالإبادة.

المدنيون والأعيان المدنية

يعتبر مبدأ التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبيان الأعيان المدنية والأعيان العسكرية حجر الزاوية في النزاعات المسلحة، وقد نصت المادة 50 (1) و (2) من البروتوكول الإضافي الأول على ذلك بالتأكيد أنه “على أطراف النزاع المسلح أن تعمل في جميع الأحوال على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأعيان العسكرية…”.

وقد فعل الخطاب الإعلامي التحريضي فعله في استباحة الفلسطينيين بالقتل ليصل عدد المجازر وفقاً لإحصائيات المركز الإعلامي الفلسطيني حتى تاريخ الهدنة المؤقتة أكثر من 1400 مجزرة. وذلك جراء قصف الوحدات السكنية على رؤوس أصحابها، حيث تفيد الأرقام بأن أكثر من 46 ألف وحدة سكنية تعرضت للهدم الكلي، وما يقارب ربع مليون أخرى هدمت جزئياً، وقد خرج 26 مستشفى و55 مركز صحي عن الخدمة، و266 مدرسة تضررت، منها 66 خرجت عن الخدمة، و88 مسجدا تم تدميرها كلياً، و174 مسجدا دمرت جزئياً إضافة لثلاث كنائس.

وقد أدى كل ذاك لبلوغ عدد القتلى في هذه الحرب أرقاماً غير مسبوقة في الحروب الماضية كلها ليصل العدد إلى نحو 15 خلال 50 يوماً فقط، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الركام الذين وصل عددهم إلى أكثر من 7000. [3]

التجويع سلاح حرب

يضاف إلى تلك الجرائم التجويع المتعمد الذي تمارسه إسرائيل منذ 17 عاماً من الحصار، إذ يقول الطبيب غسان أبو ستة إن كثيرا من الأطفال في قطاع غزة يعانون من نقص النمو ويرجع ذلك لسوء التغذية على مدار الأعوام،[4] أما في حربها هذه فقد اتخذت الحكومة الإسرائيلية من التجويع سلاحاً للحرب بعدم السماح بوصول المواد الغذائية أو المياه أو الدواء أو الوقود حتى اليوم الأول للهدنة الإنسانية بعد 49 يوماً من القصف المتواصل، وذلك حسب تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي في بداية الحرب: “لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام”، وهو ما يصل إلى درجة جريمة حرب، كما يعتبر إبادة جماعية وفقاً لما ذكرناه آنفاً في المادة 2 بإخضاع الفلسطينيين، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرهم كلياً أو جزئياً.

———————-

[1]United Natio, Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide.

[2] ويليم شاباس. اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. مكتبة الأمم المتحدة السمعية البصرية للقانون الدولي، 2010. ص 4.

[3] 14854 شهيدًا و69% منهم أطفال ونساء لليوم ال 48 من عدوان الاحتلال على غزة. المركز الفلسطيني للاعلام، 23 نوفمبر 2023. https://palinfo.com/news/2023/11/23/863809/

[4] الياس خوري وأنيس محسن، “غزة في مبضع الجراح: حوار مع غسان أبو ستة”. مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 100، ربيع 2021. ص 146-159.