اتفق مشاركون في ندوة ( الإعلام والهجرة القسرية..تحديات الأزمات الإنسانية المنسية ) على أن ظاهرة الهجرة بكافة أشكالها لن تتوقف على مستوى دول العالم، بل إنها ربما تتزايد فى المستقبل جراء التغيرات المناخية واستمرار النزاعات السياسية، وأن الأهم هو أن تكون تلك الهجرات آمنة ومنظمة ونظامية.
وحسب إحصاءات منظمة الهجرة الدولية، فإن 250 مليون شخص اضطروا للهجرة بشكل غير نظامي في العالم، وأن هذا الرقم يمثل ما نسبته 3.3 بالمائة من إجمالي عدد سكان العالم فى العام 2018 .
جاء ذلك في إطار الندوة التي نظمها مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر بمناسبة اليوم العالمي للإغاثة الإنسانية والتي تناولت تحديات الأزمات الإنسانية التي تخلفها موجات الهجرة غير النظامية وكذلك دور وتأثير التغطيات الإعلامية على قضايا الهجرة القسرية وإشكالاتها.
شارك في الندوة التي قدمتها رولا ابراهيم المذيعة بشبكة الجزيرة الإعلامية، كارميلا جودو، المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة الهجرة الدولية من القاهرة، ومن الدوحة محمد الغامدي مساعد الرئيس التنفيذي لقطاعات الحوكمة ومدير مكتب الشؤون الخارجية في جمعية قطر الخيرية، ومن أديس أبابا رفعت الأمين رئيس لجنة تسيير المفوضية الوطنية لحقوق الإنسان فى السودان، ومن زيوريخ أحمد القصير من منظمة تضامن لحقوق الإنسان الليبية بطرابلس الغرب.
وأكدت كارميلا جودو المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة الهجرة الدولية أن هناك 82 مليون شخص نزحوا من مناطقهم وبلدانهم بسبب التغيرات المناخية ، وأن العدد الإجمالي للنازحين من بلادهم يزيد عن إجمالي عدد سكان بريطانيا وفرنسا معا، موضحة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستضيف 30 بالمائة من إجمالي النازحين فى العالم، كما أن المنطقة تصدر أكثر من 50 بالمائة من إجمالي النازحين فى العالم.
وأشارت جودو إلى أن الهجرة غير النظامية تعد نتيجة طبيعية لغياب المسارات القانونية التي تنظم الهجرة النظامية الآمنة، وكذلك تلاشي الفرص لتحقيق هجرات منضبطة وآمنة ونظامية.
من ناحيته، حدد محمد الغامدي مساعد الرئيس التنفيذي لقطاع الحوكمة ومدير مكتب الشؤون الخارجية في جمعية قطر الخيرية، مجموعة من العوامل التي تدعو الناس للهجرة من بلادهم ومناطقهم خلال السنوات العشر الماضية من بينها العوامل الاقتصادية والديموغرافية السكانية والعوامل البيئية مثل الجفاف والتصحر والفيضات والتغيرات المناخية، وأخيرا العوامل السياسية المتعلقة باستمرار الحروب والنزاعات في البلدان المختلفة.
وفيما يتعلق بدور المنظمات الدولية والمحلية فى تخفيف الآثار السلبية للهجرة، قال الغامدي إن المنظمات الخيرية وحتى الدولية تقدم مساعدات في شكل حلول مؤقتة لكن العديد من المنظمات ليست لديها الموارد المالية والبشرية التي يمكن من خلالها القيام بأداء واجبها في هذا المجال، كما يجب أن يكون.
وخلص إلى أن المساعدات من طرف واحد دون وجود حلول جذرية لأسباب المشكلات التي تدفع الناس للهجرة من مجتمعاتهم المحلية أو من بلدانهم الأصلية ، لا يمكن أن تحدث فارقا فى هذا المجال خصوصا أن أي منظمة سواء محلية أو أممية لن يكون بمقدورها وحدها أن تقدم الكثير فى هذا المجال.
وركز رفعت الأمين رئيس لجنة تسيير المفوضية الوطنية لحقوق الإنسان فى السودان، على أن الأوضاع الاقتصادية المتردية هي السبب المباشر الذي يدفع الناس في معظم الأحيان للهجرة من بلدانهم ومناطقهم وأن تلك الأوضاع الاقتصادية ازدادت بؤسا مع اجتياح وباء الكورونا ( كوفيد-19 ) للعالم في نهاية العام 2019 وحتى الآن، وأن تعقيدات الهجرة النظامية تفتح الباب للناس، خصوصا الشباب، للخوض فى تجارب الهجرة غير الشرعية والوقوع في براثن شبكات الإتجار بالبشر وشبكات الهجرة غير النظامية مما يعرض حياتهم للخطر.
وردا على سؤال عن المسؤول عن تلك الهجرات غير النظامية الخطرة، قال الأمين إن الحكومات المحلية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن تلك الظاهرة نظرا لعدم قيامها بتبني سياسات تنموية تشجع هؤلاء الأشخاص أو المواطنين لديها للبقاء والعيش في أوطانهم بدلا من الهجرة للبحث عن نمط حياة أفضل فى بلدان المهجر.
من ناحيته، لفت أحمد القصير من منظمة تضامن لحقوق الإنسان الليبية في طرابلس الغرب، إلى دور الدول التي تضع العراقيل أمام الهجرة النظامية وتقلل من فرص حدوثها، مستشهدا بسياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب تجاه الهجرة والمهاجرين، مما يزيد من سوء الوضع ويشجع عمليات الهجرة غير النظامية وغير المشروعة.
وأوضح القصير أن التقارير الأوروبية تشير إلى أن 90 بالمائة من اللاجئين الذين استقبلتهم بلدان الاتحاد الأوروبي عام 2015 جاءوا عبر طرق الهجرة غير النظامية ، وأن أرباح شبكات التهريب في هذا العام فقط تراوحت بين 6 الى 7 مليارات دولار، وأن تلك الشبكات تدير أعمالها فى نحو 100 بلد من بلدان العالم.
ونبهت المسؤولة الدولية كارميلا جودو إلى تزايد النزعات الشعبوية والمشاعر المناهضة للاجئين فى البلدان المستقبلة لهم، وأشارت إلى التقرير الصادر عن منظمة الهجرة الدولية فى العام 2018 والذي أسهب فى تناول هذا الموضوع من كافة جوانبه، مشيرة إلى وجود مجموعة من المفاهيم الخاطئة حول حصول اللاجئين على الوظائف مع أن زيادة فرص العمل تؤدي لزيادة الناتج المحلي وتحقيق معدلات أفضل فى النمو الاقتصادي.
وبالنظر إلى المفاهيم الخاطئة السائدة بشأن الهجرة والمهاجرين، قال الغامدي إن من بين تلك المفاهيم النظر للهجرة على أنها ذات طريق واحد: من دول الجنوب إلى دول الشمال، مؤكدا أن هذه نظرة خاطئة لأنها تغفل الهجرة من بلدان الجنوب إلى بلدان أخرى فى الجنوب أيضا تتضرر أكثر من بلدان الشمال لأن البنية الأساسية فى البلدان النامية لا تحتمل أعدادا كبيرة من المهاجرين مما يصيب تلك البلدان بأضرار بالغة.
وأوضح الغامدي أن المهاجرين ضحايا لا جناة والتحريض ضدهم فى بعض المجتمعات المتقدمة التي تستقبل اللاجئين أو المهاجرين والتي يقف خلفها من وصفهم بالسياسيين الشعبويين المفلسين يمثل جريمة تزيد معاناة جديدة إلى المعاناة الأصلية التي يعيشها المهاجرون واللاجئون والتي دفعتهم إلى النزوح والهجرة من بلدانهم.