تعرض الصحفي الأمريكي بلال عبد الكريم، وهو من أصول شرق أوسطية، يوم الخميس 13 أغسطس الجاري للتوقيف في بلدة ( أطمة) فى محافظة إدلب على الحدود السورية التركية، من جانب عناصر ملثمة من أتباع ” هيئة تحرير الشام” والتي كانت تعرف فى السابق بجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، وتم اقتياد عبد الكريم مع سائقه محمد الحمصي إلى مكان غير معلوم.
ويعمل عبد الكريم كصحفي مستقل فى سوريا ويدير أحد الحسابات الإخبارية على منصة اليوتيوب يسمي ” على أرض الواقع- أون ذى جراوند” ويقوم بتغطية أخبار المناطق الخاضعة للمعارضة السورية، ونشر أفلام وتقارير مصوّرة باللغة الإنجليزية، وهو يعد من الشخصيات المقربة إلى هيئة تحرير الشام.
وكتب محامي عبد الكريم ، وهو الناشط الحقوقي الأمريكي كلايف ستافورد سميث المقال التالي لشرح أبعاد هذه القضية :
” اسمحوا لي أن أتولي مهمة إبلاغ القراء بمستجدات الجهود التي يبذلها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لقتل موكلي، وهو الصحفي الأمريكي بلال عبد الكريم، وقد قمنا قبل ثلاث سنوات مع محامين متطوعين بارعين فى واشنطن برفع قضية لمنع اغتياله. يستخدم المحامون عادة لغة جامدة (غبية) لتمييز أنفسهم، لكنني أعتقد أن لدي طلاقة في الحديث باللغة الإنجليزية وب” لغة المحامين” فى ذات الوقت. علاوة على ذلك، فإنني سوف أقوم بدور المترجم لما قالته الحكومة الأمريكية أمام محكمة منطقة كولومبيا للاستئناف فى أحدث جلساتها بشأن موكلي.”
بقلم: كلايف ستافورد سميث- محام وناشط حقوقي أمريكي
إن موكلي بلال عبد الكريم هو مواطن أمريكي يعمل كصحفي في سوريا لحساب شبكة ( أون ذى جراوند)، وهي قناة إخبارية ( على اليوتيوب) تقدم مقتربا فيما يتعلق بوجهات نظر المتمردين ضد ( حكومة الرئيس السوري بشار) الأسد، وعندما بدأت الحكومة ( الأمريكية استهدافه)، فإنهم ركضوا خلال خمس مرات كان فيها مستهدفا بالقتل بوضوح من جانب الولايات المتحدة، سواء باستخدام صواريخ ( هيل فاير) التي يتم إطلاقها من طائرة مسيرة من طراز ( بريديتور) أو باستهدافه عبر استخدام البيانات الوصفية من داخل هاتفه الشخصي النقال.
ورغم ذلك، قامت الحكومة الأمريكية بعد ذلك بتقديم إعلانات للمحكمة من طرف واحد وبشكل سري من مسؤولين تتضمن معلومات إضافية عن موكلي، وإذا قمنا بترجمة هذه الخطوة فإنها تعني أنهم قدموا للمحكمة مواد سرية تبرر زعمهم بأنهم سوف يتم السماح لهم بقتل صحفي أمريكي متى شاءوا وأينما شاءوا وبدون إنذار مسبق على الإطلاق.
لم أقر يوما عقوبة الإعدام ضد أي شخص ، لكنني أتشكك فى أن هناك مجموعة قليلة من الناس منذ أيام ستالين ( في روسيا الشيوعية) اعتقدوا دوما أنه من الصواب إعدام صحفي بدون حتى أن يبلغوه بأنه فعل شيئا خاطئا.
يرغب بلال من حكومته أن تؤكد له فقط ما إذا كان مستهدفا منها بالقتل، وقد قالوا إنه لا توجد أية مصلحة عامة أو خاصة تستوجب القيام بالكشف عن تلك المعلومات، وما تقوله الحكومة بهذا الكلام هو أن ” مصلحة ” بلال في ألا يتم قتله لا يمكن أن تتجاوز حق الرئيس دونالد ترمب في قتله. وهكذا لا وجاهة فى فكرة إخباره بأن هذا الأمر صحيح: ” المعلومات المتعلقة بكون موكلي من عدمه قد تم تحديده كهدف لقوة مميتة، سيظل تحت ستار السرية والكتمان من جانب الحكومة الأمريكية.
والحكومة تجادل بالقول إن إماطة اللثام عن كون الولايات المتحدة تستهدف شخصا بعينه سوف يمكن هذا الشخص من تعديل سلوكه خشية من القتل، وهذا أمر سخيف مالم تكن الولايات المتحدة تتبني سياسة اغتيال الحمقى فقط. ولدي بلال فكرة جيدة للغاية عمال يدور فى هذا الشأن. لقد حاولوا قتله خمس مرات، ولديه الآن الحافز لتجنب محاولة الاغتيال السادسة، وأحد الخطوات التي قام بها في هذا الصدد هى رفع تلك القضية،
باعتبارها الأسلوب المتحضر لحل المنازعات على عكس ما تفضله الحكومة وهو: القتل.
وتزعم الحكومة الأمريكية أن كشف النقاب عما إذا كان مجتمع الاستخبارات الأمريكية يستهدف أفرادا خارج الولايات المتحدة باستخدام القوة المميتة سوف يضطر الإرهابيين والمنظمات الإرهابية للجوء إلى وسائل محددة تستخدمها الحكومة الأمريكية لمواجهة الإرهاب.. حسنا إذن، ربما أنهم لم يبلغوا صحيفة ” نيويورك تايمز” منذ 8 سنوات أن الاستخبارات المركزية الأمريكية تعقد اجتماعا أسبوعيا مع الرئيس كل يوم ثلاثاء يسمي ” ثلاثاء العنف” يتم خلاله تصفح واستعراض قائمة المستهدفين بالاغتيال من المسلمين ذوي اللحي ممن ترغب الاستخبارات ( سي آي إيه” فى الحصول على إذن من الرئيس باغتيالهم.
وكل يوم ثلاثاء، أتصور الرئيس دونالد ترمب وكأنه ( الامبراطور الروماني ) كاليجولا المختل يجلس في مقصورته الملكية في المسرح الكبير ( الكوليسيوم) ليشير بإصبع الإبهام إلى أعلى وإلى أسفل (وهي الإشارة التى تعني منح الإمبراطور الإذن بقتل المحارب المهزوم فى وسط الحلبة بالإشارة إلى الأسفل، أو بالإشارة للأعلى لعدم قتله والحفاظ على حياته-)
وتخلص الحكومة الأمريكية في إفادتها للمحكمة إلى أنه بدون الوصول لتلك المعلومات المهمة، فإن موكلي بلال عبد الكريم غير قادر على التأكد مما إذا كان مستهدفا بقوة مميتة. وهذا هو أفضل سطر فى تلك الإفادة، لأن الحكومة ترفض الاعتراف بأنهم يسعون لقتل بلال عبد الكريم وهو لا يستطيع إثبات أن هذا الأمر صحيح، ولذلك فإنه يخسر.
وهم هنا يجب أن يقتبسوا من رواية ( كاتش-22 ) الساخرة للروائي الأمريكي جوزيف هيلر، وكما لاحظ ( بطل الرواية ) يوساريان عندما قال:” هذا هو الصيد..إنه كاتش-22 ” واتفق معه دوك دانيكا ( من شخصيات الرواية أيضا ) عندما قال:” إنه أفضل ما هو موجود ( من صيد)”
وهناك أيضا سطر آخر فى إفادة الحكومة يتعين علينا الاعتراف بأنه صحيح، وهو الذي تقول فيه:” إن الإفصاح عن المعلومات الموجودة بحوزة الحكومة الأمريكية بشأن أشخاص معينين سيكشف بالضرورة حقائق عن كيفية قيام الاستخبارات الحكومية بجمع معلوماتها وتنفيذ أنشطتها”، وهذا صحيح، وهو يكشف كيف هو الحال المروع لتلك الاستخبارات، والدليل الأقرب للهراء فى هذا الصدد أن تلك الاستخبارات قادت إلى غزو العراق في العام 2003 للبحث عن أسلحة مزعومة للدمار الشامل فى تلك البلد.
وهنا نصل الى قمة السخرية، فدافعهم لقتل بلال على ما يبدو هو تلك التقارير التي ينشرها على شبكة ” أون ذي جراوند” والتي يعتبرونها نوعا من الدعاية لهيئة تحرير الشام، وهي الجماعة التي تقوم حاليا بإدارة منطقة إدلب، ورغم ذلك فإن هيئة التحرير هي ذاتها من قامت باحتجاز بلال بسبب ممارسته لمهنة الصحافة التي على مايبدو أنهم رأوا أنها يتعين أن تركز على جرائم الحرب التي يرتكبها بشار الأسد، بينما تركز بشكل أقل على مزاعم انتهاكات حقوق السجناء والمعتقلين التي تقوم بها هيئة تحرير الشام فى المناطق الخاضعة لسيطرتها.
إنني أعرف (بلال) حق المعرفة، وأعرف أنه يرغب من هيئة تحرير الشام أن تتبنى ميثاق السجناء الذي يضمن لكل معتقل أن يتم التعامل معه وفقا للأعراف والمبادىء الأساسية لمواثيق حقوق الإنسان، وهي تلك المباديء المتضمنة فى أى تفسير معقول للشريعة الإسلامية.
إنني لا أكتب هذا بهدف الحكم على هيئة تحرير الشام بل إنني أرجو مخلصا أن يعاملوا صديقي وموكلي ( بلال عبد الكريم) وأن يحكموا عليه بإنصاف، وفي كل حالة فإنني على يقين بضرورة أن يتم إطلاق سراحه بسرعة، ولكن عندما تشوه الولايات المتحدة كلا من بلال وهيئة تحرير الشام معا، فإن هذا يمثل مسحة من النفاق.على الأقل فى الوقت الراهن، فإن هيئة تحرير الشام قامت باعتقال بلال عبد الكريم وتهدده بالمحاكمة، بينما على الطرف الآخر يصر الرئيس ترمب على الحكم عليه بالموت بدون أية إجراءات على الإطلاق.
كلايف ستافورد سميث- محام وناشط حقوق أمريكي
– Clive Stafford Smith is an American human rights lawyer
- الأكـثر مشاهـدة
- الـشائـع