الحريات العامة وحقوق الإنسان

الحريات العامة وحقوق الإنسان

القائمة البريدية
تاريخ النشر: 06 أغسطس, 2023

علاج الالتهابات في قطاع غزة في ظل الحصار والعزل

تاريخ النشر: 3 سبتمبر, 2019

تواجه منظمة أطباء بلا حدود تحديات جمة في تقديم العلاج للعديد من الأشخاص الذين تعرضوا للإصابة بالتهابات في العظم بعدما أطلق الجيش الإسرائيلي النار عليهم خلال الاحتجاجات التي جرت على السياج الفاصل مع قطاع غزة على مدار العام الماضي.

ولا تمثل هذه الالتهابات إلا أمرا إضافيا على مسار العلاج المعقّد في الأصل، والذي ينبغي على هؤلاء المرضى أن يخطوه حتى يتعافوا. إذ تتطلب الجروح الخطيرة والمعقدة التي يعانون منها أشهراً – إن لم يكن سنوات – من التضميد، والعمليات الجراحية، والعلاج الطبيعي. وتعيق الإصابة بالعدوى من الوصول إلى حالة الشفاء، وما يزيد الأمور سوءًا أن الكثير من حالات العدوى هذه مقاومة للمضادات الحيوية.

الغرفة مليئة بالألوان الآن: الجدران والسرير الآخر الفارغ جميعها مغطاة بالرسومات. توجد حرباء، وطائر الطوقان، وسلحفاة. عندما استيقظ أيمن، كانت الغرفة مجرّدة وأمامه ممرضة ترتدي ثوبا أزرق وقفازات. يقول أيمن: “لم أكن أعلم بإصابتي بالتهاب في العظم حتى أتيت إلى هنا، لقد خرجت من العملية ووجدت نفسي في مكان معزول عن الآخرين”.

بحسب تقديرات منظمة أطباء بلا حدود، أيمن هو واحد من بين أكثر من ألف شخص في غزة يعانون من التهابات حادة في العظم، تعرضوا لها في أعقاب إطلاق النار عليهم من قبل الجيش الإسرائيلي. وقد كانت المظاهرات، التي تم خلالها إطلاق النار عليهم تجري بشكل دوري منذ أكثر من عام، وهي بمثابة روتين أسبوعي لإراقة الدماء. إذ أصيب أكثر من 7400 فلسطيني بالذخيرة الحية، ونحو نصف هذا العدد يعانون من كسور مفتوحة، حيث تكون العظام المكسورة بالقرب من الجرح.

ووفقًا لرئيس الفريق الطبي في منظمة أطباء بلا حدود في غزة، أوليو كاستيلو، فإنه “عندما يكون لديك كسر مفتوح، فأنت بحاجة إلى الكثير من الأشياء لتتعافى: أنواع مختلفة من العمليات الجراحية، وعلاج طبيعي، وتجنب إصابة الجرح بالعدوى أو الالتهاب، وهو خطر كبير في مثل هذه الأنواع من الإصابات ولسوء الحظ، بالنسبة للعديد من مرضانا الذين أُصيبوا بالرصاص، فإن شدة جروحهم وتعقيدها – بالإضافة إلى النقص الحاد في العلاجات المتوفرة لهم في غزة – يفيد بأنهم قد أصيبوا الآن بالتهابات مزمنة. والأكثر من ذلك، وجدنا في الاختبار المبدئي أن العديد من هؤلاء الأشخاص مصابون بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية”.

تعد الإصابة بالعيارات النارية عرضة للعدوى والالتهاب بطبيعتها. ومع اختراق جسم غريب وملوّث للجلد، يكون من الضروري تنظيف الجرح لتقليل خطر الإصابة بالعدوى. ومع وجود إصابات كتلك الموجودة في غزة، حيث تكون الجروح كبيرة، والعظام مفتتة، والعلاج معقدا، يحتاج أن تظل العديد من الجروح مفتوحة لفترة طويلة بعد الإصابة. ومما يجعل هذا الأمر أكثر تعقيدًا هو احتمالية أن ثمة معدلات مرتفعة للغاية من الالتهابات المقاومة للمضادات الحيوية. وقد طورت هذه الالتهابات القدرة على تحمل العديد من المضادات الحيوية الشائعة المستخدمة لعلاجها. ويحدث هذا الأمر غالبا بسبب استخدام المضادات الحيوية بشكل مفرط، سواء في المجتمع أو في البيئة، وهي مشكلة متنامية في جميع أنحاء العالم.

إن مقاومة المضادات الحيوية تجعل هذه المهمة، والتي تعد مهمة صعبة بالفعل، والمتمثلة في علاج حالات مثل أيمن مهمة أكثر صعوبة. وفي سبيل أن تتحسن حالته، فهو بحاجة إلى المضادات الحيوية، ولكن مع الخيار الدارج فلا فائدة منها ضد العدوى المقاومة، ويجب عليه أن يتناول نوعًا أقوى ويحمل مخاطر أكثر من الآثار الجانبية. هذه المضادات الحيوية “القوية جدًا” هي أيضا ذات تكلفة مرتفعة للغاية.

بالإضافة إلى ذلك، وفي سبيل منع انتشار البكتيريا المقاومة داخل المستشفى وحماية المرضى الآخرين، ينبغي أن يتم عزل أيمن في غرفة فردية أثناء العلاج، وينبغي على كل من يدخل الغرفة ارتداء ملابس واقية وتنظيف أيديهم، إذ تستمر فترة بقائه بالعزل ستة أسابيع.

في حين أن المرضى المعزولين ليسوا حبيسي أماكن عزلتهم– إذ يمكنهم مغادرة الغرفة إذا كانوا يرتدون أثواباً واقية– ومن الطبيعي أن تكون هذه التجربة صعبة للغاية. يقول أيمن “أشعر أنني في سجن. أنا لا أحب أن أكون لوحدي. يمكنني أن أظل لسنة كاملة في جناح عادي ولكن ليس هنا… كل ما أحب أن أفكر فيه هو متى سأتمكّن من مغادرة هذا المكان”، ولهذا السبب توفر منظمة أطباء بلا حدود اختصاصيين ومستشارين اجتماعيين يعملون مع المرضى في المستشفيات لدعمهم أثناء العلاج. ووفقا لـلاختصاصية الاجتماعية أمل عابد، “بعد أن يسمع الأشخاص أنه ينبغي عزلهم عن الآخرين، فإنهم يشعرون بالصدمة – حتى إن بعضهم يبدأ بالبكاء. إنهم لا يفهمون الأمر بشكل صحيح – فهم يعتقدون أن الإصابة في العظام تعني أنه سيتم بتر أطرافهم بشكل ما”. كما يخصص فريق الدعم النفسي والاجتماعي وقتًا للجلوس مع المرضى، لشرح حالتهم، ولماذا من المهم أن يتبعوا الإجراءات الاحتياطية.

ويحاول الاختصاصيون الاجتماعيون إنشاء روابط مع مختلف المرضى المعزولين، للحفاظ على حالتهم النفسية في وضع جيد. وتبين أمل “ينبغي أن نتبع الإجراءات الاحتياطية ولكننا نرغب في إخراجهم من الغرف للغناء والرقص وإعطائهم جلسات تعليمية مع المرضى الآخرين، يكون الأمر أكثر تشويقًا عندما لا يتم تقديم الحصص التعليمية بشكل منفرد إذ يمكن للآخرين الانضمام وطرح تعليقاتهم، وبدء محادثة”.

إن علاج هذه الالتهابات صعب في أي مكان في العالم، ولكن الأمر أشد وأصعب في غزة. ومع وجود نظام صحي يعاني من آثار الحصار الإسرائيلي الذي يخيم بظلاله على غزة منذ أكثر من عقد والقتال السياسي الفلسطيني الداخلي والقيود المفروضة على الحركة من الجانب المصري، تعمل منظمة أطباء بلا حدود على توفير الرعاية التي يُفتقر لتوفيرها بأي شكل آخر. يقول رئيس الفريق الطبي في منظمة أطباء بلا حدود أوليو كاستيلو، “لقد عملنا مع وزارة الصحة لتحديث مختبر ليكون لدينا القدرة على تحليل عينات العظام، وهو جزء أساسي من تشخيص التهابات العظم هذه بشكل صحيح ومعرفة المضادات الحيوية التي ستكون ذات فعالية وفائدة”.

إنه أول مختبر يملك إمكانية تحليل عينات العظام في غزة، في السابق، كان ينبغي علينا إرسال كل عينة من العينات إلى المعامل الموجودة في إسرائيل ليتم اختبارها. ففي مختبر المستشفى، يستخدم الموظفون قطعًا صغيرة من العظام المصابة لزراعة البكتيريا الموجودة. وتسمح القواعد الكيميائية المختلفة بنمو أنواع مختلفة من البكتيريا، والتي تُظهر الأنواع الموجودة، ومن ثم يتم قياس مدى حساسيتها تجاه المضادات الحيوية المختلفة. ومن خلال هذه السلسلة من الاختبارات الأساسية يعرف فريقنا ما هي أنواع الالتهابات التي يكافحونها وما الذي يمكن أن يستخدموه لمكافحتها.

يقول أوليو “إن علاج هذه العدوى يعد مهمة ثقيلة جدًا. لقد قمنا بتحديث هذا المختبر، وفتحنا جناحين للمستشفى ويجري العمل على افتتاح جناح آخر. وهذا يلقي على كاهلنا مطالب كبيرة فيما يتعلق بتوفير الموظفين المتخصصين الذين نحتاج إليهم، والأدوية التي يجب أن نوفرها للعلاج والمساحة التي نحتاج إليها من أجل علاج هذه الإصابات. إنه أمر صعب ولكننا نبذل قصارى جهدنا لنقدم لهؤلاء المصابين الجراحة والعلاج الذي يحتاجون إليه”.

ينتظر أيمن في الوقت الحالي، حيث يتم إعطاؤه المضادات الحيوية عن طريق الوريد لمدة أربع ساعات كل يوم، ويقوم الفريق الطبي بمراقبة حالته للتأكد من مكافحة العدوى وأن الأدوية لن يكون لها أي آثار سلبية عليه. ويتحدث بشغف عن كيف اعتاد هو وأصدقاؤه على قضاء الوقت ليلًا بالرقص والاستماع إلى الموسيقى، ويقول “أريد العودة إلى عملي كصانع كعك”. وللقيام بذلك، فهو يحتاج إلى مزيد من العمليات الجراحية، لكنه لا يستطيع إجراء أي عملية جراحية حتى يتغلب على إصابته بالعدوى. ثمة فترة طويلة وغير مؤكدة لا زالت بانتظاره ليتعافى.

  • الأكـثر مشاهـدة
  • الـشائـع