بينما يتم تعبئة وحشد الدول والحكومات وكذلك الجمهور العام لمواجهة وحصار انتشار فيروس (كوفيد-19)، فإن الوقت حان بالنسبة لنا كجمهور الصحفيين أن نبعث برسالة واضحة إلي الحكومات الأفريقية لكي تنهي حصار الصحفيين، وأن تطلق سراح حرية الصحافة.
إحدى القيم التي بزغت بقوة من خلال مواجهة تلك الجائحة هي قيمة ” التضامن” في مواجهتها، ويستحق الصحفيون الذين يذبلون في السجون التضامن معهم أكثر من أي أمر آخر. هؤلاء الصحفيون يتم احتجازهم في سجون قذرة ومزدحمة وذات تجهيزات صحية سيئة.
وبدلا من أن تصرف حكومة إفريقية منتخبة جهودها لإلقاء صحفيين في السجون، يتعين عليها أن تبذل طاقتها الحقيقية في مواجهة فيروس (كوفيد-19)، وأن تطلق سراح الصحفيين الأفارقة حتى يتمكنوا من النجاة من الخطر المحدق بهم سواء بالإصابة بهذا الفيروس أو الحجر الصحي الذي يمكن أن يفرض عليهم في تلك السجون البشعة.
في ذات الوقت الذي تتوسع فيه تلك الجائحة بشكل كبير على المستوي العالمي، يتعين التأكيد على أن الصحفيين ليسوا ” أعداء الحكومات بقدر ما هم حلفاء طبيعيين في مكافحة هذا الوباء، ومن المستحيل تصديق أن دولة تشن حربا على أحد أذرعها وهو الإعلام الحر الذي يعد السلطة الرابعة، يمكن أن تفوز في حربها في مواجهة الكورونا؟!!
إننا نحتاج على وجه الخصوص أن نسلط الضوء على الدول الرئيسة الأعضاء في الاتحاد الأفريقي والتي تتطلع دوما لكي تلعب دورا قياديا في جهود بناء السلام والشؤون السياسية الأفريقية من خلال مجلس السلم والأمن الأفريقي، نحتاج لتذكير تلك الدول بأمثلة ملطخة بانتهاكات حكومات هذه الدول لحقوق الإنسان والحريات الإعلامية.
على كل الأحوال، فإن مصر، وهي دولة أفريقية عضو في مجلس السلم والأمن الافريقي، قامت بشكل صارخ بإلقاء الصحفيين في السجون، وشوهتهم، وقيدت حركة الصحفيين المحليين وكذلك حركة نظرائهم الأجانب الي أقصي حد، وبصورة لا يمكن للمرء تخيلها.
تمت مطاردة الصحفيين حتى خارج مصر، وتم استعراض عضلات الدولة للضغط على حكومات ذات سيادة لمعاقبة الصحفيين، ولكي تظهر لهؤلاء الصحفيين أن الحكومة المصرية إذا أرادتكم فإنكم لن تكونوا في مأمن في أي مكان على سطح الكوكب، وأن يد الحكومة سوف تطالهم.
والقضية البارزة بمصر، هي استمرار احتجاز (محمود حسين- الصحفي بشبكة الجزيرة) المحبوس احتياطيا منذ 3 سنوات و4 أشهر، كمثال صارخ تم فيه تجاوز كافة مبادئ العدالة التي انتهكت عمدا وبسوء نية.
ويشكل القاء القبض على الزميل محمود حسين واحتجازه بهذا الشكل طوال تلك المدة استخداما قسريا ومفرطا للقوة وفقا لقوانين حقوق الإنسان الدولية وللميثاق الأفريقي لحقوق الشعوب، وقد أعلن المجلس الدولي لحقوق الإنسان أن اعتقال حسين يعد اعتقالا تعسفيا.
وقد تم رفض قرار للمحكمة بإطلاق سراحه وهناك خشية من أن يكون جهاز الأمن الوطني المصري هو الجهة التي تتولى التحقيق مع محمود حسين.
وبدون أية اتهامات واضحة فإن محمود حسين الذي حُرم من القيام بزيارة قصيرة لوالده المريض، وعندما توفي والده، حُرم أيضا من تلقي العزاء فيه، وقد فشلوا في إظهار أي قدر من الرحمة.
إنه لأمر محير أن نجد أنه على الرغم من كل ذلك، فإن مصر كانت الدولة الأخيرة التي تربعت على رئاسة الإتحاد الافريقي، قبل أن تحتل دولة جنوب أفريقيا هذا المقعد حاليا.
بوروندي أيضا هي دولة عضو في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، وتعد مثالا بشعا على الحكومة التي يمكن أن تذهب إلي أبعد مدى في وضع الصحفيين في السجون وطرد الصحفيين المستقلين خارج البلاد، ويقبع في سجون بوروندي حاليا أربعة من الصحفيين البورونديين الذين كانوا يعملون لحساب مؤسسة (إيواكو نيوز ميديا).
وقد اختفت الصحفية (جين بيجي ريمانا) ولم يعرف حتى الآن مكان وجودها، وأصبحت ممارسة الصحافة المستقلة في بوروندي موضوعا من الماضي حيث إن الصحفيين المتبقين في ذلك البلد يفكرون في النجاة بأنفسهم أو السعي لتجنب الزج بهم في السجون البشعة أو اختفائهم من هذا العالم.
وبعيدا عن أولئك الذين يستهدفون الحصول علي مواقع مؤثرة في أفريقيا وفي جهازها القاري ممثلا في الاتحاد الأفريقي، يتعين علينا ألا ننسي أيضا أن نضم للقائمة السلطات من غير الدول التي تلقي بالصحفيين والمدافعين عن حرية الصحافة في السجون.
وعلى الرغم أن السلطات الحاكمة في المناطق الشمالية الغربية من الصومال التي تعرف باسم ” أرض الصومال”، لا تعترف بها المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي باعتبارها ” سلطة وطنية”، فإن سلطات أرض الصومال اضطهدت مرارا وتكرارا الصحفي والناشط الحقوقي الإنساني (عبدي مالك موسي أو لدون) استنادا الي اتهامات زائفة تماما جراء ممارسته حقه في التعبير من خلال الجهاز القضائي والقوانين الجنائية.
وقد تم إرسال الصحفي الي السجن بناء على رغبة رجل في السلطة يخشى من رؤية هذا الناشط وأمثاله يتحدثون ويقولون الحقيقة بكل ارتياح.
ولا يتعين أن يكون استعراض عضلات القوة في مواجهة صحفيين فقراء وغير محميين عملا يوميا عاديا للسلطة في ظل انتشار جائحة الكورونا، بل يتعين على الحكومات والسلطات الحاكمة أن يجنبوا الصحفي التنكيل غير المشروع، وأن يظهروا التضامن مع الصحفيين، وأن يتم فك قيود هؤلاء الصحفيين، والسماح لهم باستكمال طريقهم الذي اختاروه في مهنة الصحافة.
**************************************************************
بقلم: عمر فاروق عثمان
صحفي وناشط نقابي من الصومال، معروف بمعاركه من أجل حريتي التعبير والتجمع التوأمتين في الصومال. يشغل منصب الأمين العام للاتحاد الوطني للصحفيين الصوماليين (نسوج)، وهو أيضا عضو في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للصحفيين الذي يتخذ من بروكسل ببلجيكا مقرا له.