شهادات مؤلمة و”صمت” في افتتاح مؤتمر دولي بالدوحة عن حماية الصحفيين
المؤتمرون أثناء مشاهدة تقرير يلخص مأساة الصحفيين في مناطق النزاعات (الجزيرة)
شهادات حية من بؤر الصراع، وصمت مهيب يجلل القاعة، ودعوات صارخة للمساءلة.. هكذا افتتحت في العاصمة القطرية الدوحة -اليوم الأربعاء- أعمال المؤتمر الدولي لحماية الصحفيين في مناطق النزاعات.
وجرى افتتاح المؤتمر الذي ينظمه مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في دولة قطر، ويستمر يومين، وسط مشاركة واسعة من منظمات دولية وإقليمية وخبراء في آليات الأمم المتحدة والأنظمة الإقليمية ذات الصلة بحرية الصحافة وحقوق الإنسان.
وفي جلسة الافتتاح وقف المؤتمرون دقيقة صمت إجلالا لتضحيات الصحفيين من مختلف الجنسيات والمشارب ممن فقدوا حياتهم دفاعا عن الحقيقة.
دماء لم تجف
وفي كلمة الافتتاح، استعرض الشيخ ناصر بن فيصل آل ثاني، المدير العام لشبكة الجزيرة الإعلامية، حجم التحديات والتهديدات التي باتت تواجه الصحفيين، مؤكدا أن حماية الإعلاميين “قضية جوهرية تمس مستقبل المهنة وحياة العاملين فيها”.
وأشار إلى أن شبكة الجزيرة فقدت 22 من صحفييها عبر تاريخها، بينهم 10 قتلوا خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة.
وطالب المدير العام للشبكة المؤسسات الإعلامية والمنظمات الحقوقية والدول بتوحيد الجهود لوضع حد لقتل الصحفيين وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب، مضيفاً أن “الرسالة القوية التي يجب أن يبعثها المؤتمر أن إسكات الكلمة الحرة لن يوقف الحقيقة، بل سيزيدها حضورا وقوة”.
وذكّر الشيخ ناصر بن فيصل بأن الجزيرة عملت منذ سنوات على “الدفع بهذه القضية إلى الأمام، وكان أبرزُ محطاتها إطلاقَ “إعلان الدوحة لحماية الصحفيين” عام 2016، وهو الإعلان الذي حظي بترحيب مجلس حقوق الإنسان واليونسكو، ويُعد أول وثيقة دولية تدفع بها مؤسسة إعلامية لاعتمادها في أروقة الأمم المتحدة”.
دعوة لتحرك عاجل
من جانبها، أكدت السيدة مريم بنت عبد الله العطية، رئيسة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، أن المؤتمر يأتي في وقت تتفاقم الانتهاكات والاستهداف الممنهج للصحفيين، مشيرة إلى مقتل “254 صحفياً في قطاع غزة فقط منذ أكتوبر 2023، إلى جانب عشرات الصحفيين في مناطق نزاع أخرى حول العالم”.
وشددت العطية على أن الاكتفاء بالإدانة لم يعد مقبولا، “فاتساع نطاق الجرائم والانتهاكات الخطيرة الموجهة ضد الصحفيين يُشير إلى حاجتنا الماسة لحراك واسع تشترك فيه الحكومات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وجميع أصحاب المصلحة، إلى جانب المؤسسات الأممية”، وذلك بهدف تفعيل القانون الدولي وإنهاء الإفلات من العقاب وتعزيز آليات المساءلة.
وأعربت المسؤولة الحقوقية القطرية عن التزام بلادها الدائم بدعم حماية الصحفيين والوقوف مع الضحايا في رسالتهم لنقل الحقيقة.
بدوره، أشار توفيق جلاصي، نائب المدير العام للمعلومات والاتصال في اليونسكو، إلى أن حماية الصحفيين ترتبط بخلق بيئة آمنة لعملهم، لافتا إلى أن “أي منظمة في العالم لا تستطيع وحدها حماية الصحفيين والمراسلين”.
وأكد أن اليونسكو تعمل على جمع أصحاب المصلحة للنقاش المشترك حول حماية الصحفيين، وأدان كل عمليات القتل التي استهدفت الإعلاميين في غزة وأوكرانيا واليمن والسودان. وشدد الجلاصي على أن “حماية الصحفيين هي حماية لحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات”، مطالبا بأن يكون للصحفيين الحرية في أداء عملهم دون خوف أو مضايقات.
آليات المساءلة الإفريقية
وفي كلمتها، أشارت أورفينا غيريشيا، المقررة الخاصة المعنية بحرية الإعلام والحصول على المعلومات في اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، إلى أن اللجنة تُولي قضية حماية الصحفيين أولوية خاصة، وأنها تتابع أي اعتداء بحق الصحفيين وترفع تقارير للدول المعنية لمحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات. وشددت على أهمية ملاحقة أي هجوم على الصحفيين ومساءلة الجهات المسؤولة لضمان عدم الإفلات من العقاب.
وفي تصريح خاص لمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان، لفت فادي العبد الله، المتحدث الرسمي باسم المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، أن دور المحكمة يتمثل في “تطبيق القانون الدولي فيما يتعلق بجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية عندما يتوافر للمحكمة الاختصاص الموضوعي والمكاني والزمني”.
وأشار العبد الله إلى أن “موضوع حماية الصحفيين يندرج ضمن حماية السكان المدنيين وفق القانون الدولي واتفاقيات جنيف وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. فالصحفيون مشمولون بالحماية الممنوحة للسكان المدنيين خلال النزاعات المسلحة، وليس هناك نص خاص بهم تحديدا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”.
وأوضح أن “حماية الصحفيين تتوقف على توفر الشروط التي تجعل استهدافهم يشكل جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية”.
شهادات ميدانية مرعبة
وخصصت الجلسة الأولى للمؤتمر بعنوان “الصحفيون ووسائل الإعلام: الشاهد والضحية” لسرد شهادات حيّة ومؤلمة من قصص المراسلين الميدانيين؛ حيث روى كل من وائل الدحدوح، مدير مكتب الجزيرة في غزة، وتيم الحاج هزاع، من TRT العربية – سوريا، ووليد العمري، مدير مكتب الجزيرة في فلسطين، والسوداني عثمان البشير خضر الجندي، قصصهم وتجاربهم أثناء التغطية على خطوط النار.
وتناولت الجلسة الثانية السياق القانوني لحماية الصحفيين ووسائل الإعلام أثناء النزاعات المسلحة، والثالثة دور الآليات الدولية والوطنية في حماية الصحفيين واقع الانتهاكات وجهود الحماية، والرابعة مبادرات الدول والمنظمات والمجتمع المدني: التحديات والفرص.
واختتم اليوم الأول للمؤتمر برسائل واضحة إلى المجتمع الدولي بضرورة تدشين إصلاحات شاملة في منظومة الحماية، وتكثيف الجهود لإنصاف الصحفيين وضمان دورهم الحيوي كعيون للحقائق وأصوات للضحايا في مناطق النزاع حول العالم.
- الأكـثر مشاهـدة
- الـشائـع
