الحريات العامة وحقوق الإنسان

الحريات العامة وحقوق الإنسان

القائمة البريدية
تاريخ النشر: 06 أغسطس, 2023

سجون سوريا وسيلة ابتزاز موّلت عناصر نظام الأسد

تاريخ النشر: 17 ديسمبر, 2024

 

لم تكن شبكة السجون الكبيرة التي أقامها الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد مجرد أداة لقمع معارضي حكمه فحسب، بل كذلك وسيلة لأنصاره لجني المال.

ويقول سوريون يائسون متمسكون بحلم رؤية أبنائهم وأزواجهم وأشقائهم المفقودين مرة أخرى، إنهم تعرضوا للابتزاز بشكل ممنهج لدفع رشاوى يصل مجموع قيمتها الى مئات ملايين الدولارات.

لكن أسوأ ما في الأمر أن هؤلاء المسؤولين على اختلاف مناصبهم والمحامين والمحتالين وأنصار الأسد الذين كانوا يطلبون الرشاوى في كثير من الأحيان لم ينقلوا أي معلومات عن المعتقلين، الذين فارق عشرات الآلاف منهم الحياة، وفقا لمراقبين معنيين بحقوق الإنسان.

وجاءت سناء عمر (38 عاما) من مدينة حلب شمال سوريا إلى العاصمة دمشق سعيا للحصول على أخبار تتعلق بشقيقها محمد الذي اختفى عندما كان في الخامسة عشرة من عمره.

وقالت لوكالة فرانس برس في مشرحة مستشفى المدينة حيث أودع مقاتلو المعارضة جثثا مجهولة الهوية عُثر عليها في سجون دمشق “شقيقي مفقود منذ عام 2011. لا نعرف عنه أي شيء أو في أي سجن”.

وأضافت بأسى “دفعنا لكل المحامين. كانوا يعدوننا بأنه موجود وبمعلومات” عنه، موضحة “عندما فُقد بحثنا في كل سجلات الأمن ولم نجده”.

وقالت “كان أبي يذهب كل سنة إلى الشام (دمشق) يرى محامين او ضباطا من النظام. كنا ندفع 200 أو 300 ألف”، وتضيف “كانوا يعدوننا بعد شهر سترون ابنكم، وكنا ننتظر شهرا واثنين، على أمل أن يأتونا بطلب موافقة (لزيارته) وكانوا يكذبون علينا”.

لكن الأسرة استمرت في دفع الرشاوى لخمسة أعوام “بعدها فقدنا الأمل”.

قبل عامين، وقبل الانهيار المفاجئ لحكم الأسد الأسبوع الماضي في مواجهة هجوم خاطف شنه مقاتلو فصائل معارضة، حاولت مجموعة حقوقية تقدير المبلغ الذي دفعته عائلات المعتقلين على مر سنوات.

سجلات مهجورة

وأجرت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مئات المقابلات لسؤال الأسر عن المبالغ التي دفعوها مقابل وعود بمعلومات أو زيارة أو حتى إطلاق سراح أبنائهم.

ووفقا لبيانات الرابطة جنى مسؤولون حكوميون ومؤيدون للنظام نحو 900 مليون دولار. وقد اعتقل مئات آلاف الأشخاص منذ اندلاع الاحتجاجات ضد حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد مطلع عام 2011.

وبعد مرور 13 عاما على اندلاع النزاع في سوريا، باتت أبواب سجن صيدنايا (نحو 30 كيلومترا شمال دمشق)، المبنى الكبير القاتم ذي الجدران الرمادية والمطل على واد قاحل تظهر فيه بعض الفيلات الفخمة، مفتوحة.

وهذه المرة بدلاً من أن تدفع الأسر مالا للمسؤولين أو الوسطاء مقابل فتات المعلومات، يبحث هؤلاء بشكل يائس في سجلات مهجورة عن أخبار أقاربهم المفقودين.

وقال الشاب حسن هاشم الذي جاء من ريف حماة شمال سوريا، إنه جاء “للبحث عن شقيقه المعتقل في سجن صيدنايا منذ 2019″، في محاولة يائسة أخيرة لمعرفة مصيره.

وأضاف أن شقيقه الآخر كان يزور شقيقه المعتقل لكن “منذ سنة أخذوه لإعادة التحقيق إلى فرع 48، وكنا نلاحقه ودفعنا أكثر من 12 ألف دولار”.

وأشار إلى وعود بأنه “سيخرج اليوم، سيخرج غدا”، مضيفا أن شقيقه “متزوج ولديه 4 بنات واتُّهم بالإرهاب”.

ويتابع هاشم أنه لدى نقل شقيقه المدان ب”الإرهاب الدولي وحمل السلاح ضد الدولة”، إلى قاعدة المزة الجوية في دمشق، تم ربط الأسرة بأحد أقرباء مسؤول كبير في النظام.

ويقول “قالوا إنهم بحاجة إلى 100 ألف دولار لإخراجه. قلت لهم حتى وإن بعت قريتي كاملة لن أحصل على 100 ألف دولار. من أين لي أن أحصل على هذا المبلغ؟”.

الآن يتجول المدنيون المذهولون ومقاتلو الفصائل المعارضة المسلحة في قاعات صيدنايا الخرسانية التي تضم الزنازين، ويركلون حصائر النوم المهجورة القذرة التي تظهر أن كل زنزانة كانت مكتظة وتضم عشرين سجينا.

وقام رجال الإنقاذ بثقب الجدران للتحقق من شائعات حول وجود طوابق سرية تضم سجناء مفقودين، لكن آلاف الأسر يشعرون بخيبة أمل لاحتمال أن يكون أقاربهم قد ماتوا وقد لا يعثر عليهم أبدا.

وعد عيد الأم

ويقف مقاتلون وزوار في الطابق الأرضي من أحد أقسام السجن أمام مكبس هيدروليكي يقول معتقلون سابقون إنه كان يستخدم لسحق السجناء أثناء جلسات تعذيب.

أما أرضية الغرفة المجاورة، فتضم معدات صناعية زلقة بسبب مواد شحمية ذات رائحة كريهة.

وتقول عيوش حسن (66 عاما) التي جاءت من ريف حلب  بحثا عن ابنها بغضب لفرانس برس خارج السجن “منذ شهر طلبوا (300 ألف)، وقالو إنهم طلبوا ملفه وهو موجود في صيدنايا وبخير”.

وأضافت باكية “ليس هنا، إنه ليس معنا”، واصفة مشهد السجلات المحروقة بينما تجمع بعض الأشخاص لسماع قصتها ومعرفة ما يحزنها.

وقالت “نريد أولادنا أحياء أو أمواتا. محروقين، أو رمادا أو مدفونين جماعيا. فقط أبلغونا”.

وتضيف بحرقة “كذبوا علينا. لقد كنا نعيش على الأمل لمدة 13 عاما، معتقدين أنه سيخرج خلال شهر، أو في الشهرين المقبلين أو هذا العام أو في عيد الأم… كل هذه أكاذيب”.

  • الأكـثر مشاهـدة
  • الـشائـع