اتفق المشاركون في حلقة نقاشية بعنوان ” منع التعذيب ومساندة ضحاياه: الواقع والتحديات” والتي نظمها مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر، على أن التعذيب ليس قدرا محتوما في منطقتنا العربية، وأن بالإمكان مواجهته وتطويقه مثل أي جريمة بشعة أخرى ضد الإنسانية، غير أنهم قدموا العديد من المقترحات في هذا الشأن.
ففيما اقترح عبد الوهاب الهاني، وهو عضو سابق في اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب، والمقيم في جنيف بسويسرا، تدعيم دور منظمات المجتمع المدني والمنظمات المستقلة فى الرقابة على السلطات التنفيذية في البلدان المختلفة بشأن ممارسة التعذيب، واستصدار المزيد من القوانين التي تواجه تلك الظاهرة، ركز فضل عبد الغني المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان على أهمية دور الإعلام في التوعية بأهمية التخلص من هذه الظاهرة البشعة.
وبينما شدد منصور الضيفي، وهو يمني، ومعتقل سابق في غوانتانامو ويقيم في بلغراد بصربيا، على أهمية إحداث تغيير في الأنظمة المستبدة التي ترى في شعوبها هي العدو الأول المهدد لوجودها واستبدالها بأنظمة تتميز بالعدالة، ركز أحمد الفليت، وهو أسير سابق في سجون الاحتلال الإسرائيلي ويقيم في غزة، على أهمية التركيز على عدم إفلات الجناة من العقاب على اعتبار أن أهم أسباب استشراء ظاهرة التعذيب هو إدراك الجناة بأنهم لن يقعوا تحت طائلة القانون وأنهم سينجون من أي شكل من أشكال العقاب.
بحثت الحلقة النقاشية التي تم تنظيمها بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، وأدارها الزميل عثمان آي فرح، وبثتها ( الجزيرة مباشر) على الهواء مباشرة، بحثت واقع وتحديات تطبيق الحظر التام للتعذيب، وسلطت الضوء على جهود هيئات المعاهدات المعنية واللجان الوطنية لحقوق الإنسان والمنظمات المدنية على تحسين الممارسة العملية ومساندة الضحايا وأسرهم وجبر الضرر الواقع عليهم.
كما تطرقت الحلقة النقاشية للدور المنوط بوسائل الإعلام في التوعية بمعايير مناهضة التعذيب وكشف التجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها الأنظمة، وتمكين الضحايا من إسماع أصواتهم وتعزيز كرامتهم الإنسانية.
وقال عبد الوهاب الهاني، العضو السابق فى اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب إن آليات مناهضة التعذيب لا تتوقف على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي وافقت عليها معظم البلدان العربية، بل إن هناك أيضا البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية والذي تتلكأ معظم دول المنطقة فى التصديق عليه، باستثناء 5 دول فقط هي لبنان والمغرب وتونس وموريتانيا وأخيرا فلسطين، وهو ما يمثل أقل من ربع عدد الدول العربية.
وأشار إلى أن الخبر السار أيضا هو تصديق سلطنة عمان على الاتفاقية، وقريبا سوف يصدق السودان عليها، وهو ما يؤذن بوجود تصديق شامل وكامل من دول المنطقة العربية على تلك الاتفاقية، ليتبقى الجزء الأهم من التصديق وهو التنفيذ الفعلي لها، في إطار الآليات التي أنشأتها ومنها لجنة من 10 خبراء دوليين مستقلين يقومون بمراقبة التزام الدول ببنود الاتفاقية بالحظر التام والشامل للتعذيب.
وأضاف أن هناك ما أسماه بآلية الإنذار المبكر والتي تتمثل في ( المقرر الخاص لمناهضة التعذيب) والصندوق الطوعي للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، كما أن البروتوكول الاختياري لديه آلية لمراقبة أعمال التعذيب مكونة من 25 خبيرا دوليا على رأسهم شخصية عربية هي السيدة/ سوزان جبور من لبنان.
وردا على سؤال لمقدم الحلقة ومديرها عثمان آي فرح بشأن استفادة المنظمات المعنية بحقوق الإنسان من تلك الآليات، وواقع حالة حقوق الإنسان في سوريا، قال فضل عبد الغني المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن التعذيب هو أخطر جريمة ضد الإنسانية، وفي سوريا اقترنت مع نزاع مسلح لتصبح أيضا ( جريمة حرب) رغم أن الحكومة السورية صادقت على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب منذ العام 2004.
وأشار إلى أن تلك المصادقة لم تؤثر على سلوك النظام السوري تجاه ممارسات التعذيب التي صارت عرفا بحيث لم ينج معتقل واحد في البلاد من الخضوع للتعذيب والذين بلغ عددهم خلال السنوات العشر الماضية مليونا و200 ألف معتقل ممن دخلوا وخرجوا ومن ماتوا تحت وطأة التعذيب ومن بينهم المئات من النساء والأطفال، حتى صار التعذيب بمثابة رسالة من النظام لكل من يفكر فى التعبير عن معارضته حتى بالوسائل السلمية أو حتى بالكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفيما يتعلق بتجربته كسجين سابق في معتقل غوانتانامو الأمريكي، قال منصور الضيفي إن جوانتانامو ليس مجرد سجن لمن تعتبرهم واشنطن الأخطر على مصالحها حول العالم ولكنه مختبر لقياس تأثير عمليات التعذيب على المسلمين بعد قيام الولايات المتحدة بشن حرب عالمية ضد الإرهاب منذ العام 2001، حسب قوله.
وبالنسبة لممارسات التعذيب فى السجون الإسرائيلية، قال الأسير الفلسطيني السابق أحمد الفليت من غزة، إن سجون الاحتلال تشهد الكثير من أعمال التعذيب خصوصا فى التحقيقات التي يقوم بها ضباط الشاباك والأجهزة الأمنية الأخرى، والتي يتم في بعضها قتل المعتقلين تحت وطأة أساليب التعذيب المختلفة، مؤكدا أن محققا واحدا أو مسؤولا اسرائيليا واحدا في سجون الاحتلال لم تتم إحالته للمحاكمة أو حتى التحقيق بسبب تلك الممارسات المعروفة في سجون الاحتلال.
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال تلجأ في الحالات التي يتم فيها قتل المعتقلين الفلسطينيين إلى رفض تسليم جثامينهم لذويهم خشية من الإجراءات القانونية الداخلية وامتدادها بعد ذلك الى المحاكم الدولية، موضحا أن دولة الاحتلال وقعت على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب منذ العام 1999.