تقترب الحرب في السودان من دخول عامها الثاني، بينما يزداد وضع السودانيين صعوبة في خضم الاقتتال المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. واضطر الملايين إلى الفرار من منازلهم، وقُتل مئات الآلاف، ويعاني الملايين من خطر النقص الحاد في الغذاء وفق التقارير الأممية.
وفي 15 أبريل/نيسان 2023، اندلعت الحرب في السودان بعد أن قامت قوات الدعم السريع التي يرأسها الجنرال محمد حمدان دقلو المشهور ” بحميدتي ” بنشر قواتها على مفاصل الدولة السودانية والسيطرة على معظم المقار الحكومية ومهاجمة حاميات الجيش السوداني، وتوسع هذا التحرك وقاد إلى حرب طويلة الأمد.
وأدى استمرار الحرب وتوسعها إلى مقتل عشرات الآلاف في جميع أنحاء السودان، ووفقًا لـ ACLED، موقع بيانات أحداث الصراع المسلح، فإنه “من المرجح أن يكون عدد القتلى الفعلي أعلى من ذلك بكثير بسبب انتشار الأمراض وسوء التغذية والافتقار إلى الرعاية الصحية الكافية”.
وحذرت الأمم المتحدة من أن السودان يواجه أسوأ أزمة نزوح في العالم، مع استمرار الحرب دون نهاية في الأفق. وأُجبر حوالي 30 في المائة من سكان السودان البالغ عددهم 48 مليون نسمة، أي أكثر من 14 مليون شخص، على الفرار من منازلهم بسبب الحرب، وفق البيانات الأممية.
ووثقت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق “ارتكاب قوات الدعم السريع مقارنة بالجيش السوداني في السودان مجموعة مروعة من الانتهاكات لحقوق الإنسان والجرائم الدولية التي قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
وتتحدث منظمات حقوقية وإنسانية عن جرائم تطهير عرقي واستهداف مباشر للمدنيين ارتكبتها قوات الدعم السريع خصوصا في العديد من المناطق، ومن أهمها مدينة الجنينة غرب دارفور ومقاطعة هبيلة في جنوب ولاية كردفان وولاية الجزيرة.
وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير صادر في أبريل/نيسان 2024، إن “عشرات النساء والفتيات تعرضن للعنف الجنسي وللاحتجاز من طرف عناصر الأطراف المتحاربة وبالأساس أفراد قوات الدعم السريع والجماعات المتحالفة معها”.
ورغم محاولات التفاوض على وقف إطلاق النار التي شهدتها البلاد منذ اندلاع الحرب، إلا أن الفشل كان يلاحق أي محاولة مما ترك ملايين الأشخاص في مواجهة الموت والتشرد والمجاعة.
انتهاكات حقوقية واسعة وجرائم حرب في حق المدنيين
اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقريرها الحقوقي لسنة 2024، أطراف النزاع في السودان وخصت الدعم السريع “باستخدام أسلحة متفجرة ثقيلة في مناطق مكتظة بالسكان في جميع أنحاء الخرطوم، منذ بداية الصراع، مما أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية الحيوية، وترك الملايين دون الوصول إلى الضروريات”.
وأكدت المنظمة أنه في 15 أبريل/نيسان 2023، “تضررت محطة معالجة المياه في بحري، شمال الخرطوم، مما ترك السكان في المنطقة بدون مياه”. وأفادت سلطات المياه أن “المقاتلين منعوهم مرارا وتكرارا من الوصول إلى المحطة بسبب انعدام الأمن، مما أعاق الإصلاحات”، وفق المنظمة.
وفي منتصف سبتمبر/أيلول 2023، قالت منظمة أطباء بلا حدود إن “49 شخصًا على الأقل قُتلوا، وجرح أكثر من 100 آخرين بعد هجومين مميتين في سوق مزدحم وآخر في منطقة سكنية في الخرطوم”.
وحتى أكتوبر/تشرين الأول، قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن “أكثر من 70 في المائة من المرافق الصحية في المناطق المتضررة من النزاع لم تعد تعمل”.
وقالت أنييس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، في تقرير صدر في 3 أغسطس/آب 2023، إن “المدنيين يعانون في جميع أنحاء السودان من رعب لا يمكن تصوره كل يوم”.
وأضافت أن الناس “يقتلون داخل منازلهم، أو أثناء البحث اليائس عن الطعام والماء والدواء، ويقعون في مرمى النيران المتبادلة أثناء فرارهم، ويطلق عليهم الرصاص عمدًا في هجمات مستهدفة”.
وأكد كودي عباس، وهو مدرس يبلغ من العمر 55 عاماً، للعفو الدولية إن “اثنين من أبنائه قُتلوا أثناء محاولتهم الفرار من إطلاق النار”.
وقال: “هربت زوجتي وأطفالي من المنزل عندما اندلعت الاشتباكات في حيّنا، لكن ولديّ الأصغرين لم يتمكنا من الفرار بسرعة كافية، لا أعرف من أطلق النار عليهما”.
ووفق المنظمة، قُتلت آلاء فوزي المرضي، وهي طبيبة تبلغ من العمر 26 عاماً، في منزلها في حي المنارة بأم درمان في الخامس عشر من إبريل/نيسان 2023، وهو اليوم الذي اندلعت فيه الاشتباكات لأول مرة.
وقال والد آلاء فوزي المرضي: “بعد دقائق قليلة من وصول آلاء إلى المنزل، جاءت رصاصة من خلال نافذة غرفة المعيشة، وأصابت زوجتي في وجهها، واخترقت الجانب الأيمن من وجهها ورقبتها، ثم أصابت آلاء في صدرها، فقتلتها على الفور، لقد دمرت تلك الرصاصة الواحدة أسرتنا في غضون بضع ثوان”.
وفي 28 أغسطس/آب 2024، وجدت هيومن رايتس ووتش أن قوات أطراف النزاع “ارتكبوا عمليات إعدام ميداني وتعذيب وإساءة معاملة أشخاص في عهدتهم وتشويه جثث في مناطق متفرقة من السودان”.
ودعا محمد عثمان، الباحث في شؤون السودان في هيومن رايتس ووتش، إلى “التحقيق في هذه الجرائم باعتبارها جرائم حرب ومحاسبة المسؤولين عنها، بما في ذلك قادة هذه القوات”.
وفي 6 من سبتمبر/أيلول 2024، وجد تقرير لبعثة الأمم المتحدة المستقلة الدولية لتقصي الحقائق بشأن السودان، أن الأطراف المتنازعة في السودان “مسؤولة عن أنماط انتهاكات واسعة النطاق تضمنت هجمات عشوائية ومباشرة، عبر الغارات الجوية والقصف ضد المدنيين، ومدارس، ومستشفيات، وشبكات اتصال، وشبكات حيوية لإمداد المياه والكهرباء”. ووفق منظمات سودانية محلية فإن أغلبية هذه الإنتهاكات وقعت من قبل قوات الدعم السريع.
وأضافت تقرير بعثة الأمم المتحدة المستقلة أنه عثر على أسباب معقولة للاعتقاد بأن “قوات الدعم السريع والجماعات المتحالفة معها ارتكبت جرائم حرب أخرى كالاغتصاب والعنف الجنسي، والنهب؛ والأمر بالتهجير القسري للمدنيين؛ وتجنيد الأطفال دون سن 15 عاما للمشاركة في الأعمال العدائية؛ والاضطهاد على أسس إثنية وعرقية”.
وأكدت رايتس ووتش، في تقرير في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أنه “منذ انشقاق حليف بارز لقوات الدعم السريع في شرق الجزيرة في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024، هاجمت قوات الدعم السريع ما لا يقل عن 30 قرية وبلدة”.
وقالت الأمم المتحدة إن “أكثر من 130 ألف شخص فروا من الهجمات إلى أجزاء أخرى من السودان”.
في دارفور.. تطهير عرقي من “الجنينة” إلى “الفاشر”
منذ 24 أبريل/نيسان، نفذت قوات الدعم السريع “هجمات ضد قبائل غير عربية في الجنينة، عاصمة غرب دارفور”. وفق ما وثقته منظمة هيومن رايتس ووتش.
وحسب المنظمة، “قُتل الآلاف من الناس وأُجبر مئات الآلاف من السودانيين، ومعظمهم من قبيلة المساليت غير العربية، على الفرار إلى تشاد القريبة بسبب القتال والانتهاكات”.
وقالت رايتس ووتش إن قوات الدعم السريع والجماعات المتحالفة معها، “ارتكبت عمليات قتل واسعة النطاق للمدنيين في الجنينة، بما في ذلك أثناء محاولتهم الفرار إلى بر الأمان، كما ارتكبوا عمليات نهب وحرق واسعة النطاق وهاجموا البنية التحتية المدنية الحيوية، بما في ذلك مخيمات النازحين داخليًا والمستشفيات والأسواق”.
واعتبرت هيومن رايتس ووتش في تقرير تحت عنوان “لن يعود المساليت إلى ديارهم”، التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية في الجنينة، صادر في 9 مايو/أيار 2024، أن هذه الأفعال “ارتكبت كجزء من هجوم واسع النطاق ومنهجي موجه ضد المساليت وغيرهم من السكان المدنيين غير العرب، وبالتالي تشكل أيضاً جرائم ضد الإنسانية تتمثل في القتل والتعذيب والاضطهاد والنقل القسري للسكان المدنيين”.
وفي 28 مايو/أيار، “قُتل العشرات من المدنيين في مستيري، وهي بلدة تقع جنوب غرب الجنينة، عندما اندلعت اشتباكات بين قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، وجماعات مسلحة من المساليت” وفق ما وثقته منظمة العفو الدولية.
وقالت زينب إبراهيم عبد الكريم، وهي أم لطفلين، للمنظمة: “اقتحم ستة من أفراد قوات الدعم السريع منزلنا في الساعة الثامنة صباحاً ودخلوا الغرفة التي كان يقيم فيها زوجي وإخوته الأربعة وأطلقوا النار عليهم جميعاً، ثم جاء أفراد قوات الدعم السريع إلى الغرفة التي كنت أقيم فيها مع أطفالي و12 امرأة وطفلاً آخرين، وضربونا بالعصي والسياط وسألونا: أين البنادق؟ ثم سرقوا هواتفنا”.
وعلقت العفو الدولية بالقول إن “القانون الإنساني الدولي يحظر استهداف المدنيين عمداً، فضلاً عن الهجمات التي تفشل في التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية”.
ومن مايو إلى نوفمبر 2024، “شنت قوات الدعم السريع هجمات من الشرق والغرب والجنوب، سعياً للسيطرة على المدينة، مستخدمة القصف المدفعي الثقيل و”الطائرات بدون طيار الانتحارية” المصممة لضرب الأهداف عمدًا”، وفق تقرير للأمم المتحدة.
وأكد التقرير أن “الأعمال العدائية المكثفة أسفرت عن مقتل وإصابة مدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية وتدهور الوضع الإنساني”.
وفي 20 ديسمبر/كانون الأول 2024، قال المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك، إن “أكثر من 700 شخص قُتلوا في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور بالسودان منذ مايو/أيار”، داعياً قوات الدعم السريع شبه العسكرية إلى وقف حصار المدينة.
وفي تقرير صادر في 23 مايو/أيار 2024، قالت منظمة العفو الدولية إن “الفاشر هي موطن لمئات الآلاف من النازحين داخلياً الذين فروا من العنف من أجزاء أخرى من دارفور”. وأضافت أن “هناك تقارير عن قصف المناطق السكنية بما في ذلك مخيم أبو شوك للنازحين داخلياً مما أسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين مع عدم تمكن العديد منهم من الفرار”.
ومنذ مايو/أيار 2024، تشن قوات الدعم السريع في السودان “هجمات غير قانونية على الفاشر أسفرت عن مقتل مئات المدنيين وإجبار عشرات الآلاف على الفرار، في حين يواجه الآلاف في المدينة وحولها المجاعة”، وفق هيومن رايتس ووتش.
وقال محمد عثمان، الباحث في قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش إنه “منذ منتصف مايو/أيار، قصفت قوات الدعم السريع المتحاربة في السودان المناطق المأهولة بالسكان في الفاشر دون أي اعتبار واضح للمدنيين هناك، في حين تحرق قوات الدعم السريع المناطق السكنية وتستهدف المستشفيات عمداً”.
ووثقت المنظمة في تقرير صادر بتاريخ 19 يونيو 2024، “الحرق العمد، لآلاف المنازل منذ بدء القتال في أبريل/نيسان، ولا سيما في الجزء الشرقي من المدينة في المناطق السكنية ذات المساكن التقليدية”.
جرائم حرب وتطهير في جنوب ولاية كردفان
وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش “ارتكاب قوات الدعم السريع العديد من الانتهاكات ضد المدنيين في مقاطعة هبيلة بولاية جنوب كردفان السودانية من ديسمبر 2023 إلى مارس 2024”
وقالت المنظمة أن هذه الانتهاكات “تشكل جرائم حرب وشملت عمليات قتل واغتصاب واختطاف سكان قبيلة النوبة، فضلاً عن نهب وتدمير المنازل”، وأنها “أدت إلى نزوح جماعي، وتحويل مدينتي هبيلة وفايو الولاية إلى مدن أشباح”.
وقالت روبا (20 عاما) من سكان مدينة هبيلة للمنظمة، إن “رجالا بملابس مدنية دخلوا مجمعها وأمروها هي والمدنيين الآخرين في المنزل بتسليم ممتلكاتهم الثمينة”. وأضافت أن “الرجال سألوا زوجها بعد ذلك عن قبيلته، وعندما أجاب بأنه من النوبة، أطلقت قوات الدعم السريع النار عليه” مما أدى إلى مقتله على الفور.
وفي مدينة فايو، صرحت كالتوما إدريس، (45 عامًا)، لرايتس ووتش، إنها “حاولت الفرار مع مدنيين آخرين عندما بدأ هجوم قوات الدعم السريع، وكان مقاتلو قوات الدعم السريع يتجولون حول القرية”، وأضافت أنها “رأت مقاتلًا يطلق النار على رأس رجل في الستينيات من عمره ويطلق النار على آخر في السبعينيات من عمره، مما أدى إلى مقتلهما على الفور”. وأكدت أن “ابنها البالغ من العمر 25 عامًا أصيب في ساقه برصاصة ارتدت من مكانها”.
حرب ملوثة بالعنف الجنسي والتمييز والنهب
أعرب خبراء الأمم المتحدة عن مخاوفهم إزاء تصاعد العنف الجنسي أثناء الصراع في السودان، بما في ذلك في الخرطوم ودارفور.
وقالت المبادرة الاستراتيجية للمرأة في القرن الأفريقي (SIHA)، وهي مجموعة حقوقية نسائية، في يوليو/تموز 2024، إنها “تحققت من أكثر من 70 حالة من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي المرتبط بالصراع في جميع أنحاء البلاد، والتي تُعزى إلى حد كبير إلى قوات الدعم السريع”.
في الجنينة، عرضت قوات الدعم السريع عشرات النساء والفتيات للعنف الجنسي، في وقت فر الناس هربا من القتال بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران. حسب هيومن رايتس ووتش.
وذكرت المنظمة، أن “الهجمات على المرافق الطبية والمنظمات التي تقدم الرعاية لضحايا العنف الجنسي وكذلك إغلاق شبكة الاتصالات في الجنينة والبنية التحتية الصحية الضعيفة في تشاد، حيث فر العديد من الناجيات، أعاقت وصول الناجيات إلى الخدمات العاجلة، بما في ذلك الإدارة السريرية للاغتصاب والدعم النفسي والاجتماعي، كما أدت الوصمة المستمرة حول العنف الجنسي إلى تفاقم الحواجز أمام الرعاية”.
وقالت امرأة تبلغ من العمر 25 عاماً من الجنينة لمنظمة العفو الدولية، إن “ثلاثة رجال مسلحين يرتدون ملابس مدنية أجبروها على دخول مبنى السجلات المدنية في حي الجمرك في 22 يونيو/حزيران 2024، حيث عرضوها للعنف الجنسي.
وقالت: “لا يوجد أي أمان في أي مكان في الجنينة. غادرت منزلي لأن إطلاق النار كان في كل مكان، وهؤلاء المجرمون اغتصبوني، لا أستطيع تحمل ذلك”.
من جهة أخرى، قال إيدي رو، مدير البرنامج الأغذية العالمي، في 30 مايو/أيار 2024، إن “17 ألف طن متري من المساعدات الغذائية فقدت في أعمال النهب التي تفجرت منذ بدء القتال في البلاد”
وكان برنامج العالمي أعلن مطلع مايو/أيار، أن منتجات غذائية مخصصة للمحتاجين، تقدر قيمتها بما يتراوح بين 13 و14 مليون دولار، تعرضت للنهب منذ اندلاع الصراع.
ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، “شهد الصراع نهباً ممنهجا لمستودعات المساعدات والسلع الإنسانية والممتلكات في جميع أنحاء منطقة الخرطوم”.
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة في مايو/أيار أن معظم وكالات الأمم المتحدة والشركاء الإنسانيين، إن لم يكن جميعهم، واجهوا نهباً واسع النطاق لإمداداتهم الإنسانية.
وفي الوقت نفسه، نفذت قوات الدعم السريع عمليات نهب واسعة النطاق بما في ذلك للممتلكات الخاصة في جميع أنحاء العاصمة، وفق المنظمة.
نازحون ولاجئون بالملايين في ظل أوضاع معيشية صعبة
بحلول أوائل أغسطس/آب، فر ما يقرب من مليون شخص من السودان إلى مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان ودول أخرى منذ أبريل/نيسان، وكان المواطنون السودانيون يشكلون ثلثي هؤلاء، وفقًا للأمم المتحدة.
وأفادت وكالات الأمم المتحدة أن الحرب في السودان شردت أكثر من 14 مليون شخص، وقالت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة “إن الصراع المدني خلق أكبر أزمة نزوح في العالم عام 2024”.
ووفق المنظمة، نزح 11 مليون شخص داخليًا وفر 3.1 مليون شخص إلى البلدان المجاورة، وتستمر الأرقام في الارتفاع.
وأكدت المنظمة الأممية، أنه أكثر من نصف النازحين من النساء وأكثر من ربعهم من الأطفال دون سن الخامسة. وأشارت إلى أن الأمراض تنتشر بسرعة وأن 50 في المائة من السودانيين يكافحون للحصول على الحد الأدنى من الغذاء للبقاء على قيد الحياة، مضيفة أن ظروف المجاعة في شمال دارفور قد ترسخت بالفعل.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، وصفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) الوضع بأنه “أحد أكثر الأزمات حدة في العالم”.
كما حذرت الأمم المتحدة من أن نحو 25 مليون شخص، أكثر من نصف سكان السودان، من المرجح أن يواجهوا جوعًا حادًا بحلول نهاية العام.
وفي 21 ديسمبر/كانون الأول 2024، تعرض مخيم “زمزم” في دارفور، وهو أكبر مخيم للاجئين في السودان – والذي يستضيف ما لا يقل عن نصف مليون شخص، يعاني الآلاف منهم من المجاعة – لقصف مدفعي شبه يومي لمدة أسبوعين.
وأفادت وسائل إعلام محلية بمقتل أكثر من 80 شخصًا وجُرح ما يقرب من 400 في مخيم زمزم.
وحذرت المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في السودان في تقرير صدر بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، من أن “القصف المكثف الذي تشنه قوات الدعم السريع على أكبر مخيم للنازحين داخليًا في السودان يدمر المدنيين ويجبر عمال الإغاثة على مغادرة الموقع”.
وحسب المنظمات، “أشعل حصار المخيم كارثة إنسانية جديدة، حيث منعت الهجمات دخول كميات محدودة من المساعدات إلى زمزم، وتركت مرافقها الطبية القليلة غارقة في الأعباء”.
وقالت منظمة الإغاثة الدولية، إن “معظم القتلى والجرحى في المخيم كانوا ضحايا للقصف”، وإن “الأطباء عالجوا أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم أربع سنوات من جروح ناجمة عن طلقات نارية وصدمات”.
من جهة أخرى، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن “القتال الأخير بين قوات الحكومة الإثيوبية والميليشيات في منطقة أمهرة الشمالية الغربية قد ادى إلى تعريض اللاجئين السودانيين لخطر جسيم”.
وأضافت المنظمة في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أنه “على مدى أكثر من عام، قام مسلحون مجهولون بإخضاع اللاجئين للقتل والضرب والاختطاف والعمل القسري”.
كما طالبت منظمة العفو الدولية، في تقرير نُشر قبل يوم اللاجئ العالمي لسنة 2024، السلطات المصرية بالتوقيف الفوري “للاعتقالات التعسفية الجماعية والترحيل غير القانوني للاجئين السودانيين الذين عبروا الحدود إلى مصر بحثًا عن ملجأ من الصراع في السودان”.
وأشارت المنظمة إلى أن المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقدر أن “3000 شخص تم ترحيلهم إلى السودان من مصر في سبتمبر/أيلول 2023 وحده”.
بدورها، دعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى “تعزيز الدعم المالي لتلبية الاحتياجات المتزايدة للاجئين السودانيين الذين يصلون إلى ليبيا مع زيادة الأعداد وانخفاض درجات الحرارة.”
ونبهت إلى أن “اللاجئين والمجتمعات المضيفة في المناطق النائية مثل الكفرة يواجهون ظروفا قاسية بشكل خاص، بما في ذلك أسعار المواد الغذائية في الكفرة التي تعد أعلى بنسبة 19 في المائة من المتوسط الوطني بسبب انقطاع سلاسل التوريد، وارتفاع الطلب ونقص الوقود”.
نذر أزمة غذائية حادة بسبب الحرب
بعد أن أعلنت لجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، في أغسطس/آب 2024، المجاعة في أكبر مخيم للنازحين في شمال دارفور، وهو مخيم زمزم. توصلت اللجنة إلى أن المجاعة انتشرت في مخيمات أخرى للنازحين. فيما تنفي الحكومة السودانية تفشي المجاعة وتعترف بنقص في المواد الغذائية والتموينية في المناطق التي تشن عليها قوات الدعم السريع هجماتها المتكرره وتقطع عنها الإمداد لإخضاعها.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنه “بعد أكثر من 20 شهرا من الصراع، يواجه أكثر من 24.6 مليون شخص في السودان مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد”.
من جانبها، حذّرت منظمة أطباء بلا حدود، في 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، من أن الوضع عند حدود جنوب السودان “صعب للغاية”، مع فرار آلاف الأشخاص من السودان المجاور إثر اشتداد القتال.
وقالت المنظمة غير الحكومية أنه في كل يوم من شهر كانون الأول/ديسمبر، عبر أكثر من خمسة آلاف شخص الحدود من السودان إلى جنوب السودان حيث تستشري أعمال عنف مختلفة ومنتظمة، بالإضافة إلى كوارث مناخية.
وأشارت منظمة أطباء بلا حدود إلى أن “تدفق الأشخاص على مدينة الرنك (قرب الحدود شمال شرق) والمناطق المحيطة بها تسبب في استهلاك شديد للموارد الشحيحة أصلا، ما ترك النازحين في مواجهة أزمة”.
“وما زال أكثر من 100 جريح، عدد كبير منهم يعاني إصابات خطرة، ينتظرون الخضوع لعمليات جراحية هناك”. وفق المنظمة التي أضافت أنه “في الوقت الراهن، يؤوي مركزا العبور في الرنك المصممان لاستيعاب 8 آلاف شخص كحد أقصى، أكثر من 17 ألف شخص”.
وفي 17 سبتمبر/أيلول 2024، أكدت منظمة اليونيسيف أن السودان “يواجه حالات تفشي أمراض متعددة بما في ذلك الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والحصبة والحصبة الألمانية”.
وأضافت “أن حوالي 3.4 مليون طفل دون سن الخامسة معرضون بشكل كبير لخطر الإصابة بالأمراض الوبائية.”
صعوبات في دخول المساعدات وتضييق على العمل الإنساني
في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2024، قال برنامج الأغذية العالمي إنه “سلم مساعدات غذائية لأكثر من 800 ألف شخص في المناطق المتضررة أو المعرضة لخطر المجاعة في السودان كجزء من زيادة واسعة النطاق في عملياته بجميع أنحاء البلاد التي مزقتها الحرب”.
وأشار إلى أن التقدم العملياتي الأخير “هش حيث لا يزال الوضع على الأرض متقلبا وخطيرا”.
وأكد برنامج الغذاء العالمي أن “القتال منع قافلة من الوصول إلى مناطق يظهر فيها خطر المجاعة في شمال وجنوب كردفان، بما في ذلك كادوقلي ودلينج، حيث أُجبرت الشاحنات على العودة إلى موقع أكثر أمانا”.
وقالت الأمم المتحدة، إنه وحتى أغسطس/آب، “قتل 19 عامل إغاثة على الأقل، كما تم استهداف العاملين في مجال الرعاية الصحية المجتمعية السودانية وشبكات الدعم”.
وحذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في أغسطس/آب من أن “القتال المستمر والعقبات البيروقراطية الواسعة النطاق تعوق توسيع نطاق المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد”.
في 20 يوليو/تموز 2024، قالت منظمة أطباء بلا حدود إن أربعة من موظفيها أوقفهم “رجال مسلحون” اعتدوا عليهم بالسياط وسرقوا سيارتهم.
وحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، قال ناشطون إن “قوات الدعم السريع اعتقلت ثلاثة أطباء قادمين إلى الخرطوم للتطوع في مستشفى في سبتمبر/أيلول”.
مطالبات دولية بوقف الصراع.. وروسيا تمنع ذلك
استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو)، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لإسقاط مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري للأعمال العدائية بالسودان وحماية المدنيين من النزاع.
مشروع القرار الذي أيده 14 عضوا في مجلس الأمن لم يعارضه سوى المندوب الروسي، مما استقطب انتقادات شديدة من مندوبي الولايات المتحدة وبريطانيا.
ودانت منظمة العفو الدولية القرار الروسي، وقالت إنها “تشعر بخيبة أمل عميقة إزاء هذا الفيتو المخزي”، وأضافت أنه ولمرة أخرى، “تقف السياسة في طريق حماية المدنيين مع فشل مجلس الأمن في الوفاء بولايته”.
وأشارت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أنه في 13 يوليو/تموز، “أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن مكتبه يحقق في الفظائع الأخيرة في منطقة دارفور بالسودان كجزء من تحقيقاته الجارية في دارفور، مما يؤكد خطورة الانتهاكات الحالية”.
وكان مجلس الأمن في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قد فرض حظراً دولياً على السفر وتجميد الأصول على رئيس عمليات قوات الدعم السريع، اللواء عثمان محمد حامد محمد، وقائد قوات الدعم السريع في غرب دارفور، الجنرال عبد الرحمن جمعة برك الله.
كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عثمان محمد حامد محمد في مايو/أيار 2024 بسبب الجرائم التي ارتكبت في سياق القتال في الفاشر.
وطالبت هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن “بالاستمرار في معاقبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة واتخاذ إجراءات ضد الأفراد والكيانات التي تنتهك حظر الأسلحة في دارفور مع الإفلات من العقاب”.
- الأكـثر مشاهـدة
- الـشائـع