محمد غلام محمدو
بين لحظات انكسار وبكاء على ضياع أعمارهن، ولحظات إصرار وتحد؛ جأرن عاليا برفضهن قرار حرمانهن من حقهن في التعليم، وتوسلن حكومة بلدهن التراجع عن القرار “وفق أي ظروف”.
ووسط تأكيدات مستمرة على إيمانهن المطلق بأن الالتزام بالدين الإسلامي وقيم المجتمع الأفغاني لا يتناقضان أبدا مع التطور والأخذ بناصية العلم.
إنهن الطالبات الجامعيات الأفغانيات: مهجبين آريي من كلية الحقوق بجامعة كابل، وشقيقتها وجيهة آريي من كلية الطب بجامعة أبو الريحان البيروني شمال كابل، وآنجوما كوهيستاني من قسم الإدارة والديبلوماسية بجامعة البيروني.
فتحَت الطالباتُ قلوبهن لمركز الجزيرة للحريات العامة في العاصمة كابل وروين له عن شعورهن “السيئ” بتهميشهن، ومحاولاتهن البقاء ضمن دائرة الفعل التعليمي ولو من خلال التدريس في القطاع الخاص.
وتسمح القوانين السارية في عهد حكومة حركة طالبان الآن للبنات بالدراسة إلى الصف السادس ابتدائي، وتحرمهن من التعليم في المراحل الإعدادية والثانوية والجامعية.
وتقول مهجبين آريي ذات الـ21 ربيعا وهي تغالب البكاء: “شعوري سيء للغاية. لقد سهرنا الليالي ذوات العدد وبذلنا جهودا جبارة للوصول للجامعة، ثم جاء هؤلاء فقضوا على أحلامنا وقصوا أجنحتنا”.
وتضيف “هؤلاء كانوا يدركون أننا إن وصلنا لأهدافنا لن نبقى تحت نير العبودية، وما فعلوا ذلك إلا لنقبل ما يفرضونه علينا.. الآن نعيش كأننا أموات. نتحرك وتنفس فقط دون أن نستمتع بهذه الحياة”.
وتؤكد مهجبين أنها مصرة على المضي قدما ولن تتوقف عن تحقيق أحلامها وطموحاتها. وتقول إنها تدرّس الآن في إعدادية خاصة للأولاد مواد الفيزياء والكيمياء والرياضيات والعلوم. كما تدرّس اللغة الإنجليزية في معهد للغات.
أما شقيقتها طالبة سنة أولى طب من جامعة البيروني في ولاية “كابيسا” شمال العاصمة، وجيهة آريي، ذات الـ19 ربيعا، فلا تجد أي كلمات تعبر به عما يعتريها من شعور كما تقول.
وتضيف في لغة شاعرية “أنا بمثابة طائر كسر جناحه وهوى داخل قفص أينما يول وجهه فثم ما يحبسه”.
وفي إصرار ونبرة تحد، تقول إن الشخصيات الناجحة عبر التاريخ مرت دائما بعوائق وإنها ستصل، مثلها، إلى طموحاتها وأهدافها. وتشير إلى أنها كانت تطمح لأن تكون “عالمة مشهورة على مستوى العالم” وأن ما جرى لم يكن بالحسبان. وتؤكد أن رسالتها للذين منعوها من الدراسة أنها مصرة وستصل إلى ما تريد.
وبشأن دراستها في الخارج، تقول وجيهة التي تدرّس الآن، مثل أختها، في معهد للغة الإنجليزية: “نعم، إذا وجدت الفرصة سأغادر حتى أخدم شعبي وبلدي، وعائلتي التي كانت تعارض سفري وحدي أضحت -للمفارقة- الآن موافقة على ذلك”.
وتؤمن الأختان بأن الدين الإسلامي لا يتعارض أبدا مع التطور ودراسة المرأة وتعلمها والقرآن يحضنا على أن نتعلم ونستكشف ونعمل عقولنا في الآفاق، وفق ما قالتا.
ونحت الطالبة “آنجوما كوهيستاني” نفس المنحى، وقالت لنا “أشعر بأن لا قيمة للبنت في أفغانستان.. وهذا شعور مؤلم ومخجل، وكل الذين يدعون بأنهم منعوا التعليم حفاظا على المرأة فهم مخطئون، فالإسلام هو الذي أعطى المرأة مكانتها وأوجد لها كينونتها”.
وتتهم الطالبة “هؤلاء” -دون أن تسميهم- بأنهم “يخافون من تعليم المرأة وثقافتها، ولكن عليهم أن يدركوا أن هذا الوضع لن يستمر.. في الحكومة الأولى (لطالبان) مُنعت المرأة من الخروج دون محرم، ولكن ذلك لم يستمر وسيأتي اليوم الذي تصبح فيه المرأة رائدة وقائدة”.
وبشأن رسالتها للحكومة الحالية تقول كوهيستاني إنها لا تطالب الحكومة الحالية إلا “بشيء واحد هو استئناف الدراسة وفق أي شروط: بالحجاب أو البرقع، وفي أي مكان أو ظروف.. المهم أن تبدأ الدراسة”.
وبشأن ما كشفه لي مسؤول أفغاني كبير عن “عودة متدرجة” لتعليم النساء في المراحل الإعدادية والثانوية والجامعية خلال سنتين أو ثلاث في حال “تحقق الشروط الشرعية”، قالت الطالبة إنها لا تصدق تلك “الوعود”.
وصرح لي قبل يومين حافظ محمد يونس راشد، وكيل وزارة الإعلام والثقافة لشؤون الشباب في حكومة حركة طالبان، بأن قرار استئناف الدراسة سيأخذ في الحسبان تعديل المناهج الدراسية، وتهيئة الأمكنة الملائمة، وظروف “انتقال الطالبات من البيت إلى المؤسسات التعليمية”، فضلا عن “انضباط” سلوك النساء بالمنهج الإسلامي.
وقالت الطالبة “لا أثق في هذه الوعود ونحن نضيع الوقت ونخسر أعمارنا”.
- الأكـثر مشاهـدة
- الـشائـع