محمد غلام
بين القانوني والسياسي، والضغط والضغط المقابل، تتفاعل أزمة اللاجئين على الحدود البيلاروسية، وسط اتهامات بتحضير للحرب، تقابلها أخرى باستغلال الضعفاء لتحقيق أهداف سياسية.
وقد اندلعت اليوم الثلاثاء مواجهات بين الأمن البولندي وطالبي لجوء حاولوا اجتياز الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، ولوّح الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة على مينسك.
وقال مراسل الجزيرة إن الشرطة البولندية استخدمت الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لمنع اللاجئين من اجتياز السياح الحدودي، موضحا أن أمن بيلاروسيا لم يتدخل لمنع طالبي اللجوء من التقدم نحو السياج.
وفي الجانب القانوني للأزمة، تؤكد المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصا من الاضطهاد. وتؤكد المادة ذاتها أنه لا يمكن التذرع بهذا الحق إذا كانت هناك ملاحقة ناشئة بالفعل عن جريمة غير سياسية، كما لو كانت جنائية مثلا.
ويقول الباحث في القانون الدولي لحقوق الإنسان الدكتور حسن المجمر إن من النصوص التأسيسية في الموضوع اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 والبروتوكول الملحق بها لعام 1967.
وتؤكد تلك النصوص الالتزامات الرئيسية تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء، ومنها تقديم الحماية، ومنع الرد أو الطرد، وتوفير المأوى الآمن والكرامة الإنسانية لهم، وعدم التمييز بينهم.
غير أن تلك النصوص وحدها لا تكفي لتفسير ما يجري أو لترتيب حقائق على الأرض، حيث تتداخل في الموضوع أبعاد سياسية ومعركة كسر عظام بين بيلاروسيا والاتحاد الأوربي والغرب عموما. ويقول مراقبون إن بيلاروسيا تستخدم اللاجئين ورقة ضغط قوية في مواجهة العقوبات الأوربية المستمرة.
وتقول رولا أمين المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إن ما يجرى على حدود بيلاروسيا يخرق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان من عدة نواح؛ فاللاجئون وطالبو اللجوء لديهم الحق في التماس اللجوء والحماية من الدول، ولديهم الحق في المعاملة الإنسانية الكريمة، ولديهم الحق في وصول المنظمات إليهم لتقديم الرعاية ووسائل العيش الكريم من أغذية وبطانيات ونحو ذلك.
وتنتقد رولا أمين، في تصريح لمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان، بيلاروسيا وبولندا بشدة، وترى أن الأولى تستخدمهم لأغراض سياسية، والثانية تمنعهم من حقهم الذي يكفله لهم القانون الدولي لحقوق الإنسان، خاصة القانون الدولي للاجئين.
ويشدد الدكتور المجمر على أنه لا يمكن -في كل الأحوال- التذرع بالامتناع عن القيام بواجب استقبال اللاجئين وتقديم الحماية لهم بأي أسباب أو نزاعات سياسية بين البلدان الأوربية أو غيرها.
وجدد الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو نفيه الضلوع في أزمة المهاجرين، ونقلت وكالة “بيلتا” الرسمية عنه قوله إن “العمل جار بشكل نشط في هذه المنطقة لإقناع الناس. أرجوكم عودوا إلى دياركم. لكن لا أحد يرغب في العودة”.
لكن يبدو أن تصريحات لوكاشينكو لا تقنع مسؤولي دول الاتحاد الأوروبي، إذ قال وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرغيس إنه “ليس لديه سبب” لتصديق لوكاشينكو، مضيفا “دعونا نأمل فقط في هذه المرحلة أن يقول أمرا حقيقيا”.
ويتهم الاتحاد الأوروبي لوكاشينكو بنقل آلاف الأشخاص بطريقة منظمة من مناطق الأزمات إلى الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وهو ما جعل بولندا وليتوانيا ولاتفيا تشدد تأمين الحدود.
وشدد الكرملين على أن “لوكاشينكو ليس المتسبب بالوضع الحاصل عند الحدود… ومن الخطأ تماما تحميل لوكاشينكو كامل المسؤولية”.
وبدورها، أجرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اتصالا هاتفيا نادرا مع لوكاشينكو استمر نحو 50 دقيقة، وذكر التلفزيون البيلاروسي الرسمي أنه تم التركيز خلاله على تهدئة الوضع والدعم الإنساني للمهاجرين.
وأعرب وزير الدفاع البيلاروسي فيكتور خرينين -في مقابلة مع الجزيرة- عن قلق بلاده من تزايد النشاطات العسكرية لحلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) على حدود بيلاروسيا الغربية، مضيفا أن تكثيف دول الجوار الأعضاء في الحلف تدريباتها وأنشطتها وقدراتها العسكرية، يشبه تحضيرات الحرب.
- الأكـثر مشاهـدة
- الـشائـع