يومياً يختفي الكثير من البشر بسبب القتل والإعدام خارج القانون، ويتعرض الكثير منهم للخطف والاحتجاز والتعذيب والإخفاء القسري.
وتبقى مطالب ذويهم ملحة، دائما، من أجل معرفة الحقيقة الكاملة لوقائع ما تعرض له أقرباؤهم، ودوافعه، وظروفه واختيار مسار الكشف عن الحقيقة ومواجهة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والقصاص لأحبائهم.
اختارت الأمم المتحدة يوم 24 مارس/آذار من كل عام، يوماً دولياً للتذكير ب “الحق في معرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وكرامة الضحايا”.
وقد بدأ الاحتفال بهذا اليوم بعد مقتل قسيس كاثوليكي في السلفادور عام 1980، أوسكار أرنولفو روميرو إي غالداميز (الذي عاش ما بين 15 آب/أغسطس 1917 و24 آذار/مارس 1980). وكان لهذا القسيس مكانة مرموقة في السلفادور وأمريكا اللاتينية إذ أصبح مطران سان سلفادور في عام 1977.
عرف القسيس روميرو بتعاطفه الشديد مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وكان متحدثاً باسم الفئات الهشة من الفقراء وضحايا القمع. وأدى ذلك إلى دخول الكنيسة الكاثوليكية في مواجهات مع الحكومة في السلفادور، مما أسفر عن مقتله وهو -رئيس الأساقفة- أثناء الاحتفال بيوم القداس في كنيسة صغيرة تابعة لمستشفى السرطان حيث كان يعيش.
أمضى روميرو أول عقدين ونصف العقد من حياته المهنية كاهنا للرعية وأمينا للأبرشية في سان ميغيل. ثم أسقفاً مساعداً عام 1970 لسان سلفادور، وفي عام 1974 عينه الفاتيكان على كرسي سنتياغو دي ماريا، وعاد إلى العاصمة عام 1977 لخلافة رئيس الأساقفة المسن في سان سلفادور.
استعمل روميرو منصبه وسلطته المعنوية كرئيس للأساقفة للدفاع عن الفقراء والمضطهدين وأصبح معروفا باسم “صوت من لا صوت لهم”. وفي فبراير/شباط 1980 أرسل رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي جيمي كارتر دعا فيها الولايات المتحدة إلى وقف المساعدات العسكرية للنظام. وقال مبررا “لقد سئمنا الأسلحة والرصاص”.
كسب روميرو، من خلال حملته لحقوق الإنسان في السلفادور، الكثير من المعجبين الوطنيين والدوليين فضلا عن ترشيحه لجائزة نوبل للسلام. إلا أنها خلقت له أعداء أيضا، خاصة حين دعا حكومة السلفادور إلى التمرد على النفوذ العسكري الأميركي، وطالب الجنود بعصيان الأوامر التي تلحق ضرراً بحقوق الإنسان. ويعتقد أنه قتل من طرف أعضاء “فرق الموت السلفادورية”.
بعد مقتل القس روميرو، تم تعيين لجنة تقصي حقائق خاصة بالسلفادور وفقا لاتفاقات المكسيك المؤرخة في 27 أبريل/نيسان 1991 للتحقيق في أعمال العنف الخطيرة التي حدثت منذ عام 1980 من أجل كشف الحقيقة. ووثقت اللجنة، في تقريرها الصادر في 15 مارس/آذار 1993، الحقائق المتعلقة باغتيال القوات – المسماة “فرق الموت”- الموالية للحكومة، أوسكار أرنولفو روميرو الذي قتل قنصا فيما كان يحتفل بيوم القداس في 24 مارس/آّذار 1980.
ومنذ ذلك اليوم تحتفي الأمم المتحدة سنوياً بهذه المناسبة من أجل:
* الاحتفاء بذكرى ضحايا الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان وأهمية الحق في معرفة الحقيقة وإقامة العدالة،
* الإشادة بالذين كرسوا حياتهم لتعزيز وحماية حقوق الإنسان للناس كافة وجادوا بأرواحهم في سبيل ذلك،
* الاعتراف بالعمل الهام والقيم الذي اضطلع به أوسكار أرنولفو روميرو.
وقد رأت دراسة أجرتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في عام 2006، أن الحق في معرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة لقانون حقوق الإنسان “حق مستقل وغير قابل للتصرف، وهو واجب الدولة في حماية وضمان حقوق الإنسان وإجراء تحقيقات منصفة للضحايا”.
وفي تقرير 2009 حول الحق في معرفة الحقيقة، حدد مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أفضل الممارسات الكفيلة بإعمال الحق في معرفة الحقيقة إعمالا فعالا، لا سيما الممارسات المتعلقة بالمحفوظات والسجلات التي تخص الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وبرامج حماية الشهود وغيرهم من الأشخاص المعنيين بالمحاكمات المرتبطة ﺑﻬذه الانتهاكات.
اليوم وفي ظل تنامي الجرائم الماسة بحقوق الإنسان، تشتد الحاجة إلى التكاثف من أجل تفعيل حق الضحايا وذويهم في معرفة الحقيقة، وحفظ الذاكرة وتوثيق الوقائع من أجل القصاص العادل.