في حرب إسرائيل على غزة، لم تعد تقارير وسائل الإعلام والمنظمات قادرة على إحصاء أعداد ضحايا الحرب من الصحفيين، لكثرة استهدافهم وقتلهم بشكل متعمد هم وعائلاتهم أو ممتلكاتهم.
وتلزم نصوص القانون الدولي الإنساني الطرفين المتقاتلين بتجنب استهداف المدنيين. ويعتبر الصحفيون جزءاً من تعريف المدنيين حسب اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس 1949.
بناء على ذلك، لا يجوز مهاجمتهم ما لم يشاركوا مباشرة في أعمال القتال. وعليه فهم لا يتمتعون بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني، إنما محميون عموماً بنفس الطريقة الخاصة بالمدنيين العاديين.
وتبعاً للمادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول من تدابير حماية الصحفيين يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين. ويؤكد البروتوكول الإضافي على أن هؤلاء الصحفيين لهم الحق في حمل بطاقة هوية تميزهم وتعرف بهم على أنهم “صحفيون”.
وقد كفل مشروع الإعلان العالمي لحماية الصحفيين في بنده الأول حق الحياة لجميع الصحفيين والإعلاميين والأفراد المرتبطين بهم، وتبعاً للبند الثالث فإن جميع الصحفيين والإعلاميين والأفراد المرتبطين بهم من الذين يؤدون مهام صحفية خطيرة في مناطق الصراع المسلح يعتبرون مدنيين، ويجب حمايتهم واحترامهم. أما ما يمس أمنهم بشكل مباشر فقد حظر البند الرابع من المشروع ممارسة العنف بحقهم، أو تهديدهم، أو مهاجمتهم. وتضمن المساءلة على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين والإعلاميين والأفراد المرتبطين بهم.
مشروع شهيد:
وفي ضوء عمليات القتل المتمرة، تساءلت هبة عكيلة خلال الحديث عن نفسها وسط الحرب: “هل سأكون أنا الشهيد القادمة؟”، حيث يعمل الصحفيين والصحفيات اليوم في أرض الميدان وتحت نيران القصف الإسرائيلي وهم مدركون أنهم ربما يكونون “مشاريع شهداء”.
لم يعد القصف عشوائياً فقد استهدف القصف الإسرائيلي عدداً غير مسبوق للصحفيين لم يحدث خلال أي حرب أخرى سابقة حيث وصل عددهم إلى أكثر من 100 صحفي.
وشهد العالم تعمد الاستهداف والقتل بحادثة اغتيال سامر أبو دقة الذي ظل ملقى على الأرض لأكثر من 6 ساعات وهو ينزف ولم تتمكن سيارة الإسعاف من الوصول إليه أو إنقاذه حتى عاجله، عمدا، القصف الثاني.
وقد اعترف الاحتلال الإسرائيلي بتعمد استهداف سيارة الصحفيين حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا بزعم أنهما عنصران إرهابيان.
كما جرى قصف سيارة لصحفيين في الجنوب اللبناني، نتج عنه قتل الصحفي عصام عبد الله وإصابة الزميلة كارمن جوخدار وإيلي براخيا وصحفيين آخرين. وتلقى الكثير منهم التهديد مثل يمنى السيد، بإخلاء منزلها.
وأصبح كثير من الصحفيين يكتبون رسائلهم الأخيرة يقيناً منهم بوحشية القصف التي لن تستثني أحداً. بل أصبح الصحفي يشكل خطراً على إسرائيل أكثر من غيره بما يدليه من شهادة على مرأى ومسمع من الناس أو بالصورة، لتعد دليلاً قاطعاً على ما يرتكبه الاحتلال من تدمير وقتل.
حرب السرديات الإعلامية:
تمارس إسرائيل اليوم سياستها القائمة على حرب السرديات التي تخوضها منذ نشأتها والتي تهدف لطمس السردية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في الأرض، وقلب الباطل ليصبح حقاً. وأصبح الصحفي بدوره هذا جزءاً مهماً في هذه الحرب بتسليط الضوء على ما تنتهكه إسرائيل في حربها على غزة، وإظهار ممارساتها الوحشية، التي لولا الصحافة لما نقلت.
وأحد أشكال حرب السرديات هذه هو منع الصحفيين الأجانب من الدخول عبر معبر إيريز منذ اندلاع الحرب، وعدم السماح لهم إلا إذا كانوا برفقة القوات الإسرائيلية.
يساهم الصحفي بالنقل الحي لعمليات القصف والاستهداف المباشر للمدنيين والأعيان المدنية، وعمليات الإبادة الجماعية، وعمليات الهدم وانتشال الضحايا، وإظهار حجم الدمار الحاصل.
وكان لأدوات الصحافة (الميكروفون والكاميرا) عظيم الأثر في توثيق الحقيقة، ولكنها في الوقت نفسه كانت السبب في استهداف الصحفيين واستهداف عائلاتهم وأقاربهم. ويأتي هذا الأمر إمعانا في محاولة إسكات الأصوات ودحض السردية التي يتم نقلها بتقديم سردية إعلامية إسرائيلية.
لذا جرى استهداف عائلات كثير من الصحفيين والصحفيات الفلسطينيين في غزة منهم عائلة وائل الدحدوح الذي تلقى خبر استشهادهم على الهواء مباشرة أثناء تغطيته للقصف. كذلك محمد أبو القمصان وأنس الشريف ومؤمن الشرافي الذين فقدوا أفرادا من عائلتهم أيضاً. وقد علق على ذلك محرر الشؤون الفلسطينية في القناة الثالثة الإسرائيلية تسفيكا يحزقيلي بالقول إن قوات الجيش عادة تعرف من تضرب وإن عائلة وائل الدحدوح كانت هدفاً لقصف الجيش، وهو ما ينطبق على كل من تم قصفهم واستهدافهم.
معاناة الصحفيين والصحفيات في غزة:
تتساوى معاناة الصحفي مع معاناة المدنيين في غزة وربما تكون أشد إذ يكون في مرمى النار والقصف والتتبع والاستهداف المباشر، فضلا عن الحصار والتهجير والتعرية والإذلال والاعتقال والقتل.
علاوة على الحالة النفسية التي تعصف بهم والتوتر والخوف الذي يعيشونه، غير أنهم يتمالكون أعصابهم ويتمتعون بإرادة عظيمة أثناء البث المباشر. من جهة أخرى، يتعاظم الأمر حين الحديث عن الصحفيات نتيجة عدم توفر احتياجاتهن الخاصة وقلقهن كأمهات في أغلب الأحيان على عائلاتهن وأولادهن.
وتتزايد معاناتهم أيضاً مع انقطاع وسائل التواصل والإنترنت وعدم توفر معدات الأمن والسلامة الخاصة بهم من السترات الواقية والخوذ والكمامات، وحتى مع توفرها فهي لم تعد تقيهم الخطر المحدق بهم.
- الأكـثر مشاهـدة
- الـشائـع