الأمم المتحدة تواجه أزمة مالية حادة تهدد دورها في حماية حقوق الإنسان

مجلس حقوق الإنسان يواجه أزمة مالية غير مسبوقة (الأوربية)
طه يوسف – جنيف
تواجه منظمات الأمم المتحدة أزمة مالية عميقة وغير مسبوقة، دفعت الأمانة العامة للمنظمة إلى اتخاذ قرار بتقليص ميزانيتها بنسبة 20%، في خطوة تعكس حجم الضغوط المالية المتزايدة التي تتعرض لها وكالات الأمم المتحدة المختلفة.
وجاءت هذه الأزمة الحادة نتيجة تراجع مساهمات العديد من الدول الأعضاء، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي اتخذت مؤخرا قرارات بخفض تمويلها للمنظمات الأممية، وهو ما انعكس بشكل واضح على قدرة المنظمة على الاستمرار في بعض أنشطتها.
في هذا السياق، وجدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان نفسها مضطرة إلى دراسة إعادة هيكلة وجودها الإقليمي، حيث تبحث حاليا تقليص عدد مكاتبها حول العالم إلى ستة فقط، موزعة على كل من بيروت وياوندي وبانكوك وبنما وأديس أبابا وفيينا. هذا الإجراء يأتي ضمن جهود إصلاحية تهدف إلى جعل المفوضية أكثر قربًا وفاعلية في خدمة المجتمعات، غير أن ضيق الموارد يفرض على المفوضية خيارات صعبة قد تعيق دورها المركزي في الدفاع عن الحقوق والحريات.
كما امتدت تداعيات الأزمة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث تفيد المعطيات بأن المجلس يدرس تقليص فعاليات دورة يونيو/حزيران التي تنطلق أعمالها اليوم، ويبحث إمكانية إلغاء هذه الدورة ابتداءً من العام المقبل، ليقتصر نشاطه السنوي على دورتين فقط في مارس وسبتمبر.
ويعكس هذا التوجه مدى تأثير الأزمة المالية على أداء المجلس وقدرته على مواصلة عمله الرقابي والتشريعي في مجال حقوق الإنسان.
وخلال مؤتمر صحفي عقد في مقر المفوضية بجنيف، أقر المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك بصعوبة الوضع المالي الذي تمر به المفوضية، مشيرًا إلى توقعات بعجز يصل إلى 60 مليون دولار هذا العام.
وأكد تورك أن هذا العجز سيؤدي إلى تقليص حضور المفوضية في عدد من الدول، وربما العجز عن أداء الكثير من المهام الحيوية، ومنها تحليل القوانين المحلية، ومراقبة المحاكمات، وبناء جسور بين المجتمع المدني والدولة، وتحرير المحتجزين، بما سيترك تداعيات خطيرة على أوضاع حقوق الإنسان فيها. كما أشار إلى نية المفوضية إغلاق مكاتبها في 11 دولة، مما يعني فقدان القدرة على رصد الانتهاكات ومتابعة قضايا الحقوق الأساسية.
وفي رده على سؤال حول المظاهرات في لوس أنجلوس واختفاء بعض المتظاهرين، شدد تورك على ضرورة احترام حق التجمع السلمي، وذكّر الإدارة الأميركية بوجوب الالتزام بالمعايير الدولية عند تعاملها مع الاحتجاجات، لا سيما أحكام القانون الدولي واتفاقيات مناهضة الاختفاء القسري، مؤكداً أن حماية الحريات الأساسية تبقى قيمة جامعة لا يمكن التساهل في تطبيقها.
أما بشأن الوضع في غزة، فقد عبّر المفوض السامي عن قلق بالغ حيال تفاقم الأوضاع الإنسانية هناك، واصفًا المأساة بأنها تتجاوز أي وصف، في ظل حرمان معظم السكان من المساعدات الإنسانية لأسابيع طويلة، ونقص حاد ومتواصل في الغذاء والدواء. ووجه انتقادات حادة للآلية الإسرائيلية الجديدة لتوزيع المساعدات، قائلا إنها لا تلتزم بمبادئ العمل الإنساني التي تقوم على الحياد والنزاهة والاستقلالية، وهو ما دفع الأمم المتحدة لعدم المشاركة فيها، محملاً المجتمع الدولي مسؤولية التحرك العاجل للضغط من أجل تحسين الوضع الإنساني وإنقاذ حياة المدنيين.
وتكشف هذه التطورات عن واقع صعب تعيشه منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في ظل تصاعد الأزمات المالية والضغوط السياسية، مما قد يؤدي إلى تراجع كبير في حضورها الدولي وقدرتها على حماية الحقوق الأساسية في مناطق النزاع والأزمات حول العالم، ويبقى مستقبل العمل الأممي مرهونًا بمدى قدرة المجتمع الدولي على دعم هذه المؤسسات الحيوية وضمان استمرار دورها.
- الأكـثر مشاهـدة
- الـشائـع