مقال بقلم : ألكسندرا بيلاك، مدير مركز النزوح الداخلي
يوجد في العالم اليوم نحو 46 مليون نازح داخلي، أي ما يعادل ضعف أعداد اللاجئين على مستوى العالم تقريبًا، داخل بلدانهم نتيجة لأحداث النزاع والعنف الذي نشهده في جميع أنحاء العالم، بينما لدينا أكثر من 5 ملايين نازح داخلي آخرين نتيجة للكوارث.
مقارنة مع إحصاءاتنا التي أجريناها خلال مدة 22 عاما الماضية، فإن عدد النازحين داخلياً على مستوى العالم، لم يصل في السابق لمثل هذا الارتفاع الذي نشهده اليوم.
ويمكن ملاحظة ذلك في مدن مثل دكا ومقديشيو ومخيمات العراق وسوريا وأفغانستان، وصولاً إلى المستوطنات المؤقتة في شمال شرق نيجيريا والأكواخ الصغيرة في القرى الواقعة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. يعيش الغالبية العظمى من النازحين داخلياً في أماكن مكتظة بالسكان ويفتقرون إلى الرعاية الصحية اللازمة، فضلاً عن افتقارهم إلى الماء الصالح للشرب والغسيل والطهي؛ بالإضافة إلى عدم قدرتهم على إرسال أبنائهم إلى المدرسة، في ظل مكافحتهم لكسب قوت يوم يوفر لهم حياة كريمة، فقد مُنعوا من ممارسة حقوقهم، وتقطعت بهم سبل المعرفة، وجفاهم الأمل. يُمثّل هؤلاء النازحون فئات مجتمعية هي الأكثر هشاشةً وضعفًا في العالم.
ومع بدء انتشار الوباء العالمي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في أفقر بلدان العالم وأكثرها هشاشةً، باتت هذه الفئات الهشة عرضة لتشهد تغيرًا كبيرًا.
إن محدودية إجراء الفحوصات التحليلية وغياب الإبلاغ عن الحالات المصابة يعني أنه لا يمكننا معرفة الرقم الكامل للمصابين بفيروس كورونا في جميع أنحاء العالم.
لقد سُجلت بالفعل، خلال الأسبوع الماضي، أول حالات الإصابة بفيروس كورونا في العراق وبوركينا فاسو.
كما شهد الأسبوع الماضي أيضا الإعلان عن الحالات الأولى في ولاية بورنو ، شمال شرق نيجيريا ، التي تستضيف 1.5 مليون نازح داخلي ، يقيم غالبيتهم في مخيمات مكتظة.
قد أدى فيروس كورونا إلى الإغلاق القسري للحدود في منطقة الساحل مما أسفر عن زيادة نسب النزوح الداخلي، مع استمرار عشرات الآلاف من الأشخاص في الفرار من العنف القائم بين الحركات المنتسبة إلى الإسلام في بوركينا فاسو ومالي والنيجر ونيجيريا.
وقد أثارت الفيضانات في نينوى بالعراق، والأمطار الغزيرة في اليمن والعاصفة الهوجاء (سوبرستورم) المعروفة باسم (هارولد) في المحيط الهادي، والأعاصير في الولايات المتحدة، جميعها أثارت التساؤل حول الإجراءات اللازم اتخاذها لمواجهة الكوارث، حيث من المرجح أن تصبح مراكز الإجلاء وأماكن الإيواء بيئة مثالية لانتشار الفيروس.
وبوسعنا أن نتخيل ما قد يحدث في البلدان التي تعاني بالفعل من ضعف شديد في البنية الأساسية، والأطقم والمعدات الصحية. حيث في العديد من البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء، يتوفر طبيب واحد لكل 10,000 شخص. أما في جمهورية أفريقيا الوسطى، فبالكاد يتوفر 3 أجهزة تنفس اصطناعي لكل 5 ملايين شخص. وفي دولة اليمن، التي أعلنت عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في 10 أبريل، يعاني أكثر من 14 مليون شخص من سوء التغذية الشديد، وعدم الحصول على مياه نظيفة، وهم يواجهون خطر الإصابة بالكوليرا وغيرها من الأمراض المميتة.
نحن الآن على مشارف أزمة أخرى جديدة بالكامل، حيث يُنتظر أن تتضاعف فيها نقاط ضعف أولئك النازحين داخليا، وتزداد فيها المخاطر التي سيواجهونها نتيجة لتفشي هذا الفيروس.
في عام 2019 فقط، تم تسجيل 24.9 مليون نازح داخلي إضافيين بسبب الكوارث الطبيعية في 140 دولة، إلى جانب 8.5 مليون نازح داخلي بسبب النزاعات في 50 دولة. ومع ذلك يوجد الكثير من النازحين الداخليين قبل ذلك.
واليوم، وبعد مرور عقود مليئة بأحداث العنف، أصبح هناك ما يُقارب 3 ملايين مواطن أفغاني نازحين داخليًا، وما زال أكثر من 30 ألف مواطن هاييتي نازحا داخليا بسبب زلزال عام 2010.
ضريبة النزوح الداخلي كبيرة بالفعل. في العام الماضي قدرنا أن 20 مليار دولار أمريكي مطلوبة سنوياً لتغطية التكاليف المباشرة لتوفير المأوى والطعام والتعليم والرعاية الصحية. أضف إلى هذا التكاليف غير المباشرة المرتبطة بفقدان سبل كسب الرزق، وبذلك تزيد التكلفة أضعافًا مضاعفة.
ومع ذلك، فإننا سجّلنا بعض الأخبار الجيدة، حيث يتخذ المسؤولون في مختلف حكومات العالم إجراءات لمنع النزوح الداخلي والبدء في الحد من انتشاره. فهم يدركون بمرور الوقت ماذا يتعين عليهم فعله؛ فضلاً عن أنهم يتمتعون بالقدرة على التنفيذ، وقبل كل هذا الإرادة السياسية لفعل ذلك.
في عام 2019 ، تعهدت أذربيجان بجمع بيانات أفضل عن النزوح الداخلي والمشاركة الأروجعنشطة للأشخاص النازحين داخليا في تخطيط التنمية وإعداد التقارير ، حيث قدمت تقارير علنية عن أدائها مقابل أهداف التنمية العالمية. أدركت فانواتو الاحتياجات الخاصة للنازحين داخليًا في استراتيجيتها الجديدة للحد من مخاطر الكوارث، وتم إطلاق مشاريع إنمائية خاصة بقضية النزوح الداخلي في إثيوبيا والصومال، التي يقطنها ما يقرب من 4.5 مليون نازح داخليّ موزعين بين البلدين.
تم تطوير أنظمة لجمع البيانات وتحليلها في إندونيسيا، التي شهدت نزوحا داخليا شمل 850,000 شخص، بعد وقوع الزلازل وإعصار تسونامي في عام 2018. وفي مالي، يرجع جزء من الزيادة في عدد النازحين داخليا في العام الماضي إلى تحسن أنظمة جمع البيانات.
وفي الوقت نفسه، تبين آليات الإنذار المبكر المتقدمة وتدابير الحد من مخاطر الكوارث أنه يمكن إنقاذ الأرواح كما رأينا في الفلبين والهند وبنجلاديش. حيث تم إجلاء جميع النازحين داخليا، بسبب إعصار فاني، البالغ عددهم 3.5 مليون شخص في أبريل 2019 قبل هبوب الإعصار، الأمر الذي ساعد في إنقاذ عشرات الآلاف من الأشخاص.
يُعد فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وباءً لا يرحم بالنسبة لأكثر الفئات المجتمعية ضعفًا وتهميشًا على مستوى العالم. وأملنا الوحيد هو أنه مع استجابة الحكومات لهذه الأزمة الصحية الوشيكة، يمكن للوباء أن يُعجل أيضًا من عملية التزامها على المدى البعيد بحماية ومساعدة النازحين داخليًا الذين يواجهون أكبر المخاطر، وأن يحثها على إيجاد السبل لإنهاء النزوح داخل حدودها.
ولقد أثبتت هذه الحكومات بالفعل أن هذا الأمر يمكن تحقيقه على أرض الواقع. فلن يكون هناك دافع ولا وقت أفضل لفعل ذلك على النحو اللازم أكثر من الآن.
- الأكـثر مشاهـدة
- الـشائـع