فرضت إسرائيل سياسة تجويع قاسية على غزة منذ اليوم الأول للعدوان، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، حينها، إنه أصدر أمراً بفرض “حصار كامل” على غزة.
وقال غالانت: “لقد أعطيت أمراً: غزة ستكون تحت حصار تام لا كهرباء، لا طعام، لا وقود، كل شيء مغلق”.
وحتى اليوم 93 من الحرب، ما تزال وكالات الأنباء والمنظمات الإنسانية تتحدث عن خطر المجاعة الذي يتهدد القطاع، وهو ما يخالف نصوص القانون الدولي.
وتنص المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية على أن إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، ينطبق عليه مفهوم الإبادة الجماعية.
وتنص المادة 55 و59 على ضرورة تموين السكان بالمؤن الغذائية وأن لا تحول الدول دون وصول الإمدادات الغذائية، والسماح لعمليات الإغاثة لمصلحة السكان.
وأشار نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والقاعدة 156 من القانون الدولي الإنساني العرفي إلى أن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني تشكل جرائم حرب. ويقع ضمنها استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، بحرمانهم من أشياء لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك إعاقة تزويدهم بمؤن الإغاثة.
ولم تنقذ المساعدات الإنسانية المتواضعة التي وصلت إلى غزة، قبل وأثناء الهدنة الإنسانية، القطاع من الانزلاق لخطر المجاعة. وقد وقفت المنظمات الدولية عاجزة عن القيام بواجبها في تقديم الإمدادات الإغاثية الغذائية لسكان القطاع. حتى إنه تم حرمان شمال القطاع من وصول المساعدات الإنسانية بكافة أشكالها لتهجير الناس من مناطق الشمال وهي جريمة مضاعفة بتجويع السكان ودعوتهم للتهجير القسري.
الغذاء:
وتعمد الاحتلال الإسرائيلي الإضرار بالمرافق الأساسية التي تعين في البقاء على قيد الحياة، ولجأ منذ بدايات الحرب على قطاع غزة لاستهداف المخابز والمطاحن.
وكان برنامج الغذاء العالمي قد حذر منذ الأيام الأولى للحرب بأن الطعام في غزة لا يكفي، لافتا إلى أن الحصول على رغيف الخبز بات أمراً بالغ الصعوبة نتيجة الطوابير الطويلة وقضاء الأهالي ساعات متواصلة يمكن أن تصل إلى أسبوع على أمل الحصول على رغيف خبز أو طحن بعض القمح.
وأضحى كثير من المواد الغذائية غير متوفر، وحتى إن وجد الطحين، فلا يوجد ما يكفي من المال لشرائه، وشكا بعض المواطنين من أن الطحين غال جدا وقد بلغ سعر كيس الطحين في غزة إلى 100 دولار.
وحتى الأطفال والخدج يعانون الجوع، حيث لا يتوفر حليب أو طعام الأطفال، ويعتقد الأطباء أن كثيرا منهم إما فقدوا أوزانهم بشكل كبير أو لقوا حتفهم بسبب الجوع الشديد.
ولم تفارق الطفلة جنى قديح (14 عاماً) الحياة بسبب القصف، إنما توفيت نتيجة الجوع، وهي التي كانت تعاني من الشلل الدماغي. وقد أشار المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى أن حالات عدة من الأطفال فقدوا حياتهم جراء البطون الخاوية وعدم توفر ما يسدون به رمقهم.
إضافة لذلك، أشار الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى الاستهداف والتدمير الشامل للمساحات الزراعية، المصدر الرئيسي لإنتاج الخضراوات وأشجار الزيتون التي تشكل 60% من أشجار البستنة، كذلك إعدام أفواج كاملة من مزارع الثروة الحيوانية. [1] حتى إن عمليات الصيد البحري لم تعد متاحة نتيجة الاستهداف الدائم على البحر.
مياه الشرب:
وبعد تفاقم أزمة المياه الصالحة للشرب، اضطر سكان القطاع لشرب المياه المالحة، مما يعرض لخطر تلف الكلى، والجفاف. ولم تعد محطة التحلية الكبرى تعمل نتيجة نفاد الوقود والقصف المتواصل.
كما تم استهداف خزان المياه الرئيسي في منطقة تل الزعتر شمالي قطاع غزة، وقصف مضخات المياه، مما أدى إلى تدفق المياه في الشوارع وإغراق منازل المواطنين.
الغاز والوقود:
ولجأ الفلسطينيون خلال أزمة الوقود إلى سياسة “المقاومة بأبسط طرق العيش” والعودة إلى الحياة البدائية، حيث انتشرت كثير من المقاطع تبين كيف أصبح سكان القطاع يتدبرون أمرهم في صناعة الخبز بانتشار طرق بديلة لمواجهة متطلبات الحياة.
كما استخدم الناس أفران الطين أو أشعلوا الحطب، الكرتون، الأوراق أو أحرقوا الملابس بعد انقطاع غاز الطهي والوقود والكهرباء. ومنهم من صنع لنفسه موقداً بدائياً من الأوعية المعدنية ليخبز فيه. ولم يغب مشهد الطوابير الطويلة أمام محطات تعبئة وتوزيع الغاز المنزلي، وطوابير أخرى لملء جالونات الوقود للمواصلات وتشغيل المولدات الكهربائية.
[1] الاحصاء الفلسطيني يصدر بيانا صحفيا حول أثر عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع الزراعي في قطاع غزة، 2023. https://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=4644
- الأكـثر مشاهـدة
- الـشائـع