الحريات العامة وحقوق الإنسان

الحريات العامة وحقوق الإنسان

القائمة البريدية
تاريخ النشر: 06 أغسطس, 2023

الجزيرة للحريات يناقش فرص العدالة الانتقالية في سوريا ضمن فعاليات منتدى الجزيرة

تاريخ النشر: 16 فبراير, 2025
المتدخلون الأربعة خلال مناقشة فرص وتحديات تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا

المتدخلون الأربعة خلال مناقشة فرص وتحديات تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا

نظم مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان بالشراكة مع مركز الجزيرة للدراسات، ندوة لمناقشة مطلب العدالة الانتقالية في سوريا وإشكالية تطبيقها في إطار السجل “الهائل” للانتهاكات الحقوقية الذي شهدته البلاد طيلة سنوات حكم نظام عائلة الأسد.

وتعمق المشاركون في الندوة التي جاءت ضمن فعاليات النسخة ال16 لمنتدى الجزيرة، في تحليل مفهوم العدالة الانتقالية على ضوء التجارب السابقة لبعض الدول؛ ورسم حدود تطبيقها على النموذج السوري بمختلف تعقيدات مشهده الحقوقي.

وأبرز كافة المتدخلين، في ندوة “العدالة الانتقالية في دول ما بعد النزاعات: فرص وتحديات”، العقبات السياسية والقانونية والمؤسساتية التي قد تقف أمام تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا على المدى القريب، وفصَل بعضهم في المتطلبات القانونية والدستورية والحقوقية التي تحكم مسار العملية والتي من شأنها أن تسرع إنصاف الضحايا وتعويضهم.

واستضافت الندوة كل من محمد أوجار، وزير العدل ووزير حقوق الإنسان الأسبق في المملكة المغربية؛ ومحمود برهان عَطُّور، أستاذ القانون الدولي؛ ومحمد النسور، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وفضل عبد الغني، مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وسبيع السباعي، حقوقي وسجين سياسي سابق في سوريا.

وشرح محمد أوجار، وزير العدل ووزير حقوق الإنسان الأسبق في المغرب، مصطلح العدالة الانتقالية كونها محاولة لإيجاد إجابة مرنة قضائية وسياسية لسؤال كيفية معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تتعرض لها الشعوب الثائرة، وتعويض الضحايا وتكريمهم وجبر الضرر الذي ألحق بهم، مع ضمان عدم تكرار ذلك.

وأعطى أوجار مثالا معاكسا من خلال القرار الذي اتخذته كل من إسبانيا والبرتغال واليونان؛ خلال انتقالها من أنظمة دكتاتورية شمولية إلى أنظمة ديمقراطية، بأن “تطوي صفحة الماضي دون أن تقرأها ودون أن تلجأ إلى العدالة الانتقالية أو إلى محاسبة المسؤولين”.

وأكد أوجار أنه لا يوجد نموذج موحد للعدالة الانتقالية بل هناك قيم مشتركة وأفكار عامة تشترك فيها كل التجارب، وأضاف أن هناك دول في أمريكا الجنوبية وأخرى أفريقية وعربية كالمغرب وتونس قررت فتح ملف الانتهاكات الحقوقية وقراءة ماضيها الحقوقي.

وأشار الوزير المغربي الأسبق إلى أن نجاح العدالة الانتقالية مرهون بوجود دولة قانون قوية تقف على مسافة واحدة من كل الفصائل المحلية والتيارات السياسية، ولها مشروعية انتخابية ومدعومة بتوافق وطني واسع.

واتفق محمود برهان عَطُّور، أستاذ القانون الدولي، مع محمد أوجار في ضرورة وجود إرادة وطنية شاملة من أجل تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا. وأكد أن “غياب هذه الإرادة أيام الأنظمة البائدة في سوريا وفي غيرها من البلدان، أدى إلى شيوع الانتهاكات الممنهجة والإفلات من العقاب، في إطار التزامن بين فقدان سيادة القانون وعدم المحاسبة وضعف المؤسسات في هذه الدول”.

وأردف عطور قائلا إن “العدد الهائل للمقتولين والمسجونين والمهجرين وغيرهم في سوريا، لم يأتي من فراغ بل هو نتيجة سياسة ممنهجة كان يتبعها النظام السابق في ظل غياب القانون والمساءلة”.

وأكد عطور أن الغياب المزمن للعدالة في التنظيم الدولي والعلاقات الدولية انعكس على المنطقة العربية خلال ثورات الربيع العربي، ورأى أن النظام الدولي يحتاج لنوع من التجديد والتجهيز لمرحلة أكثر عدالة وإنصافا.

السجين السوري السابق سبيع السباعي يدلي بشهادته ضمن أطوار الندوة

واستضافت الندوة سبيع السبيعي وهو أحد ضحايا التعذيب في سجون نظام الأسد السابق، إذ قال في معرض حديثه عن العذابات التي ذاق مرارتها خلال عقود من عمره: “المسألة لا تتعلق بي لوحدي، بل هي قضية أمة وتتعلق بكل السجناء الذين عايشتُهم، والذين عانوا نفس معاناتي وأكثر، ومنهم أخي الذي صادفته في السجن بعد خمس سنوات من اعتقالي ولم أكن أعلم أننا في نفس السجن، وقد توفي في السجن جراء التعذيب المستمر”.

وفي إفادات خاص لمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان، حكى سبيع أنه تعرض لضروب كثيرة من التعذيب في ثلاثة سجون مختلفة تعود للنظام السابق من بينها تدمر وصيدنايا، ووصف تجربته “بالقاسية”، وأكد أن عائلته لم تعرف عنه شيئا لعقود وأن “الضباط الذين كانت أغلبيتهم من الطائفة العلوية قد أصروا على اعترافه بأنه ينتمي إلى تنظيم سياسي معين”.

وطالب سبيع السلطات السورية الجديدة بتعويض جميع ضحايا النظام السابق وبتشكيل لجنة كشف حقائق مستقلة “لإنصاف الضحايا والمتهمين أيضا من خلال فرز وتحديد التهم لضمان عدم الظلم وعدم الإفلات من العقاب”.

وفيما يتعلق بالآليات المقترحة لتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا، شدد الوزير المغربي الأسبق محمد أوجار على ضرورة إنشاء هيئة مستقلة، بموجب قانون، تضم شخصيات نزيهة قضائية وغير قضائية وحقوقية ومن حركة الضحايا لكي يكونوا شهودا على العملية.

وبحسب أوجار، يجب على الدولة أن تلزم قوات الجيش والاستخبارات والأمن وكل المؤسسات التي أسهمت وشاركت وقامت بالانتهاكات الحقوقية؛ بالتعامل الإيجابي والمتعاون مع هذه الهيئة المشرفة على العدالة الانتقالية.

وأوضح أوجار أن كثيرا من الجهات “تتلف الأدلة والوثائق وتتحرج وتتباطأ وتتجنب التعاون أحيانا مع هذه الهيئات والمؤسسات تجنبا لمسؤوليتها في الانتهاكات التي حدثت”، وأكد أنه من الضروري أن تجتهد الدولة في خلق الظروف المواتية الموضوعية والذاتية والنفسية والثقافية والقانونية وغيرها لجعل مطلب العدالة الانتقالية مدعوما من الجميع.

كما أوصى المسؤول الأسبق بضرورة إقرار مبدأ المحاسبة في النموذج السوري، والسعي لحفظ الوثائق والأدلة والسجلات لاستعمالها من طرف الهيئات المشرفة على العدالة الانتقالية في وقت المساءلة.

في نفس السياق، اختلف فضل عبد الغني، مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مع الإسراع في التأسيس “غير المدروس” لأي هيئة مشرفة على تحقيق العدالة الانتقالية في وسوريا.

وركز عبد الغني على ضرورة تحديد طريقة تشكيل هذه الهيئة والإجراءات التي سيتم اتخاذها من أجل إكسابها الشرعية، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الحقوقية لسوريا ولتاريخها الطويل من الانتهاكات الحقوقية والعدد الهائل للضحايا.

وأشار عبد الغني إلى أن سوريا “تتمتع الآن بشرعية ثورية لكنها شرعية مؤقتة حيث يجب الانتقال إلى التعددية السياسية عبر مؤسسات الدولة”، وأردف قائلا إنه “لحد الآن لم يتم اتخاذ أي إجراءات لتشكيل هيئة حكم لها معايير تهم آليات الاختيار؛ من بينها ضمان توافق وطني وتأسيس لجان مستقلة وتمثيل سياسي وجغرافي متوازن”.

ورأى الحقوقي السوري أن “سوريا ليست بحاجة للجنة الحوار الوطني التي أقرتها القيادة السورية الجديدة”، ووصفها بأنها “آلية تفاوضية مقعدة”.

وطالب عبد الغني أن يساهم الحوار الوطني في تعزيز هيئة الحكم والتوافق الوطني والتشاركية التي هي أساس هذه المرحلة، وبضرورة تأسيس هيئة حكم مخولة بالإشراف على عملية إصدار إعلان دستوري جديد يمثل قطيعة مع الدساتير “الأمنية” السابقة.

وتعمق عبد الغني في “الضبابية” المؤسساتية التي تشهدها سوريا حاليا، واقترح أن ينص الدستور الجديد لسوريا على تأسيس هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية، تكون مستقلة عن السلط الأخرى سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية، ويجب أن تتلزم كل الكيانات بالتعاون معها.

كما ركز على ضرورة مساءلة هذه الهيئة بموجب القانون وعلى وجوب امتثال الهيئة للمعايير الدولية.

المتدخلون أجمعوا على ضرورة تقوية الدولة السورية قبل تشكيل هيأة للإشراف على العدالة الانتقالية

وفي الشق الحقوقي للنقاش، أوضح محمد النسور، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن “الأزمة السورية منذ 54 عاما، هي أزمة غياب ثقافة احترام حقوق الإنسان”، مؤكدا أن أي نظرة مستقبلية للبلاد يجب أن تحرص على احترام مبادئ حقوق الإنسان.

ولفت نسور إلى أن مصطلح العدالة الانتقالية “غير مفهوم بشكل واضح لدى السوريين حاليا”، إذ يتحدث البعض عن كونها عدالة “مخففة”، بمعنى أنه يجب تجاوز هذه المرحلة والتركيز على التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه البلاد، بدلا من التركيز على تحقيق العدالة الانتقالية التي يمكن أن تؤدي إلى البطء في تحريك عجلة الحياة المستقبلية في سوريا.

ورأى نسور أن هذا التفكير “خاطئ” وأنه يجب تطبيق العدالة الانتقالية بكل عناصرها، الأمر الذي يتطلب إرادة سياسية.

وبالنسبة لرئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، فإن غياب مؤسسة تشريعية في سوريا كالبرلمان، يجعل من عملية العدالة الانتقالية معقدة جدا. لذا، وفق عبد الغني، يجب أن تكون هناك هيئة حكم تشرف على مجلس تشريعي يتمكن من سن قانون يسمح بإنشاء هذه الهيئة.

كما اقترح عبد الغني أن تكون تحت هذه الهيئة لجان متعددة كلجان المحاسبة التي بدورها يجب أن يتم تجهيزها بمحاكم خاصة لمحاسبة المتهمين بارتكاب جرائم حرب في سوريا، وهو الأمر الذي وصفه المتحدث بالمسار الطويل والمعقد.

وقال عبد الغني إن مقاربة الدول الأخرى في مجال العدالة الانتقالية “لا تصلح” لسوريا، وأن البلاد لا تتوفر على قوانين جزائية لمحاكمة المنتهكين؛ وبالتالي فإن المطالبة بهيأة العدالة الانتقالية “مبكر” و”غير مجدي” الآن في حالة سوريا.

وأكد عبد الغني أن العدد الهائل لمرتكبي الانتهاكات الحقوقية والمتهمين بها في سوريا يتطلب دراسة دقيقة وقوانين مؤطرة، وأن القيادة السورية الجديدة ملزمة؛ في المرحلة الأولى؛ بملاحقة المتهمين على أساس المعايير القانونية والأدلة التي يمكن لشبكات حقوق الإنسان في البلاد أن توفرها للمحاكم.

وطالب عبد الغني القيادة السورية الجديدة أيضا بإصدار تعميم يجرم إنكار المتهمين ارتكابهم جرائم في حق السوريين من جهة، وبالحفاظ على مسارح الجريمة من جهة أخرى.

بدوره، حث محمد النسور، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، القيادة السورية الجديدة على تشكيل وزارة حقوق إنسان في سوريا ترسل رسالة سياسية واضحة أن مستقبل سوريا يحترم حقوق الإنسان.

وذكر أن الأمم المتحدة أنشأت العديد من الآليات الحقوقية بشأن الملف السوري، منها هيئة التحقيق بشأن سوريا والتي أنشئت بعد سنة 2012، والآلية الخاصة بحفظ الأدلة على الانتهاكات في سوريا، وآلية خاصة بملف المفقودين في سوريا والتي شارك بها أهالي الضحايا أنفسهم وفي العام الماضي.

وأضاف نسور أن هذه الآليات بحاجة إلى جهاز حكومي عاجل يتعامل معها وأن وزارة حقوق الإنسان خيار مناسب لذلك.

ووفق نسور، فإن إعادة بناء المؤسسات هي جزء من العدالة الانتقالية ويجب الكشف إذا ما كانت إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية التي تجري الآن تسير على أساس حقوقي.

ولفت المسؤول الأممي، إلى أنه يجب في المستقبل إدراج مفاهيم حقوق الإنسان في المقررات الدراسية في سوريا، وإنشاء متاحف لتخليد ذكرى الضحايا وتكريمهم وللاعتراف بمعاناتهم كنوع من جبر الضرر.

من جهته، رأى محمود برهان عَطُّور، أستاذ القانون الدولي أن التحديات كبيرة جدا أمام العدالة الانتقالية في سوريا منها التشريعي والتنظيمي والثقافي، وأشار إلى أن أحد أهداف العدالة الانتقالية هو المصالحة المجتمعية وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان داخل المجتمع.

وحذر عطور من أن عدم توفير بنية ثقافية مجتمعية مناسبة تستطيع العمل على موضوع العفو والصفح بعد المحاسبة وتذكر الضحايا وكشف الحقيقة، سيساهم في إنشاء أجيال جديدة متشبعة بثقافة الثأر والانتقام والملاحقة، مما يؤدي إلى عدم استقرار المجتمع.

  • الأكـثر مشاهـدة
  • الـشائـع